الدماء فاذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة (١) فاذا قتلها تقيّة ارتكب محرماً ذاتياً لا محالة. وقد يمثل لذلك بما إذا لم يترتب على ترك التقيّة ضرر عاجل ولا آجل ، ولكنّا قدمنا أن التقيّة من الوقاية ، وقد أُخذ في موضوعها خوف الضرر ، ومع العلم بعدم ترتب الضرر على تركها لا يتحقق موضوع للتقية.

والصحيح أن يمثل للتقية المحرمة بالقتل كما مر ، وبما إذا كانت المفسدة المترتبة على فعل التقيّة أشد وأعظم من المفسدة المترتبة على تركها ، أو كانت المصلحة في ترك التقيّة أعظم من المصلحة المترتبة على فعلها ، كما إذا علم بأنه إن عمل بالتقية ترتب عليه اضمحلال الحق واندراس الدين الحنيف وظهور الباطل وترويج الجبت والطاغوت ، وإذا ترك التقيّة ترتب عليه قتله فقط أو قتله مع جماعة آخرين ، ولا إشكال حينئذٍ في أن الواجب ترك العمل بالتقية وتوطين النفس للقتل ، لأن المفسدة الناشئة عن التقيّة أعظم وأشد من مفسدة قتله.

نعم ، ربما تكون المفسدة في قتله أعظم وأكثر ، كما إذا كان العامل بالتقية ممن يترتب على حياته ترويج الحق بعد الاندراس وإنجاء المؤمنين من المحن بعد الابتلاء ونحو ذلك ، ولكنه أمر آخر ، والتقيّة بما هي تقيّة متصفة بالحرمة في تلك الصورة كما عرفت. ولعله من هنا أقدم الحسين ( سلام الله وصلواته عليه ) وأصحابه ( رضوان الله عليهم ) لقتال يزيد بن معاوية وعرضوا أنفسهم للشهادة وتركوا التقيّة عن يزيد ، وكذا بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام بل بعض علمائنا الأبرار ( قدس الله أرواحهم ) وجزاهم عن الإسلام خيراً كالشهيدين وغيرهما.

ورابعة تتصف التقيّة بالمعنى المتقدم بالاستحباب ، وقد مثل له شيخنا الأنصاري قدس‌سره بالمداراة معهم ومعاشرتهم في بلادهم وحضور مجالسهم وعيادة مرضاهم ، وغير ذلك مما لا يترتب أيّ ضرر على تركه بالفعل ، إلاّ أن تركه كان‌

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٣٤ / أبواب الأمر والنهي ب ٣١ ح ١ ، ٢.

۴۴۶