الثالث : أنّ جملة من الأخبار البيانية وإن كان وردت فيها لفظة « اليد » إلاّ أن بعضها أعني صحيحة الأخوين قد اشتملت على كلمة « الكف » حيث قال عليه‌السلام « ثم مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفيه لم يجدد ماءً » (١) وبما أن هذه الروايات تحكي عن فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أمر واحد لا محالة ، كانت كلمة « الكف » في هذه الصحيحة قرينة على ما أُريد باليد في بقية الروايات ، ودلتنا على أن المراد بها إنما هو الكف وما دون الزند دون غيره من احتمالاتها ، فهذه الوجوه والقرائن تعينان المراد من لفظة « اليد » الواقعة في الروايات ، وبما أن الرواة ( قدس الله أسرارهم ) قد اهتموا بنقل هذه الخصوصية ، فنستكشف منها أن لخصوصية كون المسح بواسطة اليد أعني ما دون الزند مدخلية في صحة الوضوء ، وأنها من الخصوصيات اللازمة في المأمور به ، كما قد استفدنا من اهتمامهم بنقل عدم تجديد الماء لدى المسح وجوب كون المسح بالبلة الباقية في اليد من ماء الوضوء.

ويؤيِّد إرادة الكف من اليد رواية العلل قال : « جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمّد لأي علة توضأ هذه الجوارح الأربع ، وهي أنظف المواضع في الجسد؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أن وسوس الشيطان إلى آدم عليه‌السلام دنا من الشجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه ، ثم قام ومشى إليها ، وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده منها ما عليها وأكل ، فتطاير الحلي والحلل عن جسده فوضع آدم يده على أُم رأسه وبكى ، فلما تاب الله عليه فرض الله عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح الأربع ، فأمره الله عزّ وجلّ بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أُم رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة » (٢) وهي صريحة الدلالة على إرادة الكف من اليد.

وأمّا الآية المباركة والأخبار المطلقة ، أعني ما اشتملت على أنه ( صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٩٢ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١١.

(٢) الوسائل ١ : ٣٩٥ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٦.

۴۴۶