يقتضيه الوجدان ، قال أبو الهذيل : «حمار بشر أعقل من بشر» (١) ولعله لأن الحمار عند رؤية الحفرة لا يدخل فيها ، بل يمشي مع الاختيار ، فكيف يكون الإنسان في أفعاله بلا اختيار؟

وقد يتخيل الجبر بتوهم أن الجبر مقتضي علمه تعالى بالامور من الأزل ، وغاية تقريبه أن الله تعالى علم بكل شيء من الأزل ، فحيث لا تبديل ولا تغيير في علمه الذاتي ، فما تعلق العلم به في الأزل يقع في الخارج ، طبقا لما علمه من دون اختيار ، وإلّا فلا يكون علمه علما ، فمن كان في علمه تعالى عاصيا لا يمكن أن يصير مطيعا.

ولكن الجواب عنه واضح ، حيث أن العلم الذاتي لا يسلب الاختيار عن المختار ، فمن كان في علمه عاصيا بالاختيار يصير كذلك بالاختيار ، وإلّا لزم أن يكون علمه جهلا وهو محال.

ثم إنه يظهر من بعض كلمات المتكلمين من الأشاعرة ، أن مجرد مقارنة الإرادة في أفعالنا مع الفعل الصادر عن الله تعالى ، يكفي في تسمية الفعل بالمكسوب ، مع أنه كما ترى ، إذ لا أثر للارادة على المفروض في الفعل ، ولذا قال في قواعد المرام : «فأما حديث الكسب فهو اسم بلا مسمى» (٢).

وخامسا : أن التوالي الفاسدة لهذا القول كثيرة ، منها امتناع التكليف ؛ لأنّ الناس غير قادرين ، والتكليف بما لا يطاق قبيح ، ومنها لغوية ارسال الرسل والأنبياء ؛ لأن اتباعهم ليس تحت قدرتهم ، ومنها عدم الفائدة في الوعد والوعيد ؛ لأن المفروض عدم دخالة الناس في الأفعال ، ومنها أنه لا معنى للمدح والذم بالنسبة إلى أفعال العباد ، لعدم دخالتهم فيها أصلا.

كما حكي عن مولانا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ أنه قال في الجواب عن

__________________

(١) اللوامع الالهية : ص ٣٥.

(٢) قواعد المرام : ص ١١٠.

۳۲۰۱