وغاية ما يقتضي تعارضهما عدم إرادة ظهور كلّ منهما ، ولا يقتضي أن يكون المراد غير ظاهرهما من الجمع التبرّعيّ ، فإنّ هذا يحتاج إلى دليل يعيّنه ، ويدلّ على حجّيّتهما فيه ؛ ولا دليل حسب الفرض.
وإن كانت الثالثة (١) ، فإنّه يدور الأمر فيها بين التصرّف في سند مظنون السند ، وبين التصرّف في ظهور مظنون الدلالة أو طرحهما معا ، فإن كان مقطوع الدلالة صالحا للتصرّف بحسب عرف أهل المحاورة في ظهور الآخر ، تعيّن ذلك ؛ إذ يكون قرينة على المراد من الآخر ، فيدخل بحسبه في الظواهر التي هي حجّة.
وأمّا : إذا لم يكن لمقطوع الدلالة هذه الصلاحية ، فإنّ تأويل الظاهر تبرّعا لا يدخل في الظاهر حينئذ ليكون حجّة ببناء العقلاء ، ولا دليل آخر عليه ـ كما تقدّم في الصورة الثانية ـ ، ويتعيّن في هذا الفرض طرح هذين الدليلين : طرح مقطوع الدلالة من ناحية السند ، وطرح مقطوع السند من ناحية الدلالة ، فلا يكون الجمع أولى ؛ إذ ليس إجراء دليل أصالة السند بأولى من دليل أصالة الظهور ، وكذلك العكس. ولا معنى في هذه الحالة للرجوع إلى المرجّحات في السند مع القطع بسند أحدهما ، كما هو واضح.
وإن كانت الرابعة ، (٢) فإنّ الأمر يدور فيها بين التصرّف في أصالة السند في أحدهما ، والتصرّف في أصالة الظهور في الآخر ، لا أنّ الأمر يدور بين السندين ، ولا بين الظهورين.
والسرّ في هذا الدوران أنّ دليل حجّيّة السند يشملهما معا على حدّ سواء ، بلا ترجيح لأحدهما على الآخر ، حسب الفرض ، (٣) وكذلك دليل حجّيّة الظهور. (٤) ولمّا كان يمتنع اجتماع ظهورهما ؛ لفرض تعارضهما ، فإذا أردنا أن نأخذ بسندهما معا لا بدّ أن نحكم بكذب ظهور أحدهما ، فيصادم حجّيّة سند أحدهما حجّيّة ظهور الآخر ، وكذلك إذا أردنا أن نأخذ بظهورهما معا لا بدّ أن نحكم بكذب سند أحدهما ، فيصادم حجّيّة ظهور أحدهما
__________________
(١) وهي أن يكون أحدهما مقطوع الدلالة ، مظنون السند ، والآخر بالعكس ، كخبر الواحد ، والخبر المتواتر.
(٢) وهي أن يكونا مظنوني الدلالة والسند معا ، كالخبرين الواحدين كانا مظنوني الدلالة.
(٣) لأنّ المفروض أنّهما مظنونا السند معا.
(٤) لأنّ المفروض أنّهما مظنونا الدلالة معا.