لو كان هذا مرادهم ، لكان كلّ من القولين صحيحا ، ولكان مآلهما واحدا ، فلا خلاف.
د. حجّيّة الظهور بالنسبة إلى غير المقصودين بالإفهام
ذهب المحقّق القمّيّ في قوانينه (١) إلى عدم حجّيّة الظهور بالنسبة إلى من لم يقصد إفهامه بالكلام. ومثّل لغير المقصودين بالإفهام بأهل زماننا وأمثالهم الذين لم يشافهوا بالكتاب العزيز ، وبالسنّة ؛ نظرا إلى أنّ الكتاب العزيز ليست خطاباته موجّهة لغير المشافهين ، وليس هو من قبيل تأليفات المصنّفين التي يقصد بها إفهام كلّ قارئ لها.
وأمّا : السنّة فبالنسبة إلى الأخبار الصادرة عن المعصومين في مقام الجواب عن سؤال السائلين لا يقصد منها إلاّ إفهام السائلين ، دون [من] سواهم.
أقول : إنّ هذا القول لا يستقيم ، وقد ناقشه كلّ من جاء بعده من المحقّقين ، (٢) وخلاصة ما ينبغي مناقشته به أن يقال : إنّ هذا كلام مجمل غير واضح ، فما الغرض من نفي حجّيّة الظهور بالنسبة إلى غير المقصود إفهامه؟
١. إن كان الغرض أنّ الكلام لا ظهور ذاتيّا له بالنسبة إلى هذا الشخص فهو أمر يكذّبه الوجدان.
٢. وإن كان الغرض ـ كما قيل (٣) في توجيه كلامه ـ دعوى أنّه ليس للعقلاء بناء على إلغاء احتمال القرينة في الظواهر بالنسبة إلى غير المقصود بالإفهام ، فهي دعوى بلا دليل ، بل المعروف في بناء العقلاء عكس ذلك. قال الشيخ الأنصاريّ في مقام ردّه : «إنّه لا فرق في العمل بالظهور اللفظيّ ، وأصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد إفهامه ، ومن لم يقصد». (٤)
٣. وإن كان الغرض ـ كما قيل (٥) في توجيه كلامه أيضا ـ أنّه لمّا كان من الجائز عقلا أن
__________________
(١) قوانين الأصول ١ : ٣٩٨ ، و ٢ : ١٠٣.
(٢) منهم : الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول ١ : ٦٩ ، والمحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٣٢٤ ، والمحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٣ : ١٣٨ ـ ١٣٩.
(٣) والقائل الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول ١ : ٦٧ ـ ٦٨.
(٤) فرائد الأصول ١ : ٦٩.
(٥) والقائل المحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ٢ : ١٦٦.