«إنّ الله كتب عليكم الحجّ» ، فقام عكاشه ـ ويروى سراقة بن مالك ـ فقال : أفي كلّ عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه ، حتّى أعاد مرّتين أو ثلاثا ، فقال صلىاللهعليهوآله : «ويحك! وما يؤمنك أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم ، لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني ما تركتم ، وإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١).
ومن ذلك ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضا ، حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها ، لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد
__________________
ـ من الكلّيّ الّذي ذي أفراد ، فلا يصحّ الاستدلال بها على إثبات وجود ما عدا الجزء المتعذّر منه. نهاية الأفكار ٣ : ٤٥٦.
وأنت خبير : بأنّ ما أفاده المحقّق العراقيّ يرجع إلى ما أفاده المحقّق الأصفهانيّ.
وأمّا السيّد الإمام الخمينيّ : فذهب ـ بعد ما أجاب عن إشكال المصنّف قدسسره وإشكال المحقّق النائينيّ على الاستدلال بالرواية ـ إلى اختصاص الرواية بالكلّي. وحاصل ما أفاده : أنّ الظاهر من الرواية بالنظر إلى صدرها إرادة الأفراد ، لا الأجزاء ، ولا الأعمّ منهما ، فإنّ الظاهر من صدر الرواية أنّ إعراض رسول الله صلىاللهعليهوآله عن عكاشة ـ أو سراقة ـ واعتراضه عليه يكون من جهة أنّ العقل يحكم بأنّ الطبيعة إذا وجبت يسقط وجوبها بإتيان أوّل مصداق منها ، فبعد هذا الحكم العقليّ لا مجال للسؤال والإصرار عليه ، ولذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «ويحك ما يؤمنك أن أقول : نعم؟! ولو قلت : نعم ، لوجب» أي : في كلّ سنة. أنوار الهداية ٢ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.
وأمّا السيّد المحقّق الخوئيّ : فهو بعد ما ذكر لمعنى الرواية محتملات ثلاثة اختار ثالثها ، وهو كون كلمة «من» زائدة أو كونها للتعدية بمعنى الباء وكون كلمة «ما» مصدريّة زمانيّة. وعليه فلا مجال للاستدلال بالرواية على المقام. مصباح الاصول ٢ : ٤٧٨ ـ ٤٨٠.
وأورد السيّد المحقّق البروجرديّ على الاستدلال بالرواية ـ مضافا إلى ضعفها سندا ـ بأنّ الظاهر منها عدم كون رسول الله صلىاللهعليهوآله في مقام التشريع والتأسيس ، بل يحتمل كونه في مقام الإرشاد والموعظة ، فلا تدلّ على إثبات وجوب ما عدا الجزء المتعذّر منه. راجع حاشيته على كفاية الاصول ٢ : ٣١٠.
(١) رواه المجلسيّ في بحار الأنوار ٣٢ : ٣١ ، والطبرسيّ في مجمع البيان ٣ : ٣٨٦ ، مع اختلاف في بعض الألفاظ.