ومنه قد انقدح : أنّ الملاك في الابتلاء المصحّح لفعليّة الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا ، هو ما إذا صحّ انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطّلاعه على ما هو عليه من الحال.
__________________
ـ الثاني : ما أشار إليه بقوله : «بل يكون من قبيل طلب الحاصل». وحاصله : أنّ الغرض من النهي ليس إلّا ترك المنهي عنه ، وهو في غير مورد الابتلاء حاصل بنفس عدم الابتلاء ، فطلب تركه بالنهي عنه طلب الحاصل ، وهو ممتنع ذاتا.
وقد مرّ أنّ المحقّق العراقيّ قد استدلّ على اعتبار الابتلاء بوجه آخر. فراجع التعليقة (١) من الصفحة السابقة.
ثمّ إنّه قد استدلّ على عدم اعتبار الابتلاء بامور :
الأوّل : ما استدلّ به المحقّق الاصفهانيّ ، وحاصله : أنّ حقيقة التكليف جعل ما يمكن أن يكون داعيا ويصلح لأن يكون باعثا ، بحيث لو انقاد العبد للمولى لانقدح الداعي في نفسه بدعوة البعث أو الزجر ، فيفعل أو يتحرّك بسبب جعل الداعي. وهذه الصفة محفوظة ، سواء كان للمكلّف داع إلى الفعل كما في التوصّلي الّذي يأتي به بداعي هواه ، أو كان له داع إلى تركه كما في العاصي ، أو لم يكن له داع إلى الفعل من قبل نفسه كما في ما نحن فيه. وعليه فمجرّد كونه خارجا عن مورد الابتلاء لا يرجع إلى محصّل. نهاية الدراية ٢ : ٦٠٢ ـ ٦٠٣.
الثاني : ما استدلّ به السيّد المحقّق الخوئيّ ، وحاصله : أنّ الغرض من الأوامر والنواهي الشرعيّة غير الغرض من الأوامر والنواهي العرفيّة ، فإنّ الغرض من العرفيّة ليس إلّا تحقّق الفعل أو تركه خارجا ، وحينئذ كان الأمر بشيء حاصل بنفسه لغوا وطلبا للحاصل. بخلاف الأوامر والنواهي الشرعيّة ، فإنّ الغرض منها ليس مجرّد تحقّق الفعل خارجا ، بل الغرض صدور الفعل استنادا إلى أمر المولى وكون الترك مستندا إلى نهيه ليحصل لهم بذلك الكمال النفسانيّ. وحينئذ لا قبح في الأمر بشيء حاصل بنفسه عادة ، ولا في النهي عن شيء متروك بنفسه ، فلا يعتبر في تنجيز العلم الإجماليّ عدم كون بعض الأطراف خارجا من محلّ الابتلاء. مصباح الاصول ٢ : ٣٩٥ ـ ٣٩٦.
الثالث : ما أفاده السيّد الإمام الخمينيّ ، ومحصّله : أنّ قبح التكليف بالخارج عن الابتلاء انّما هو في الخطاب الشخصيّ إلى آحاد المكلّفين. وأمّا الخطابات الكلّيّة المتوجّهة إلى عامّة المكلّفين فلا يقدح فيها عجز بعضهم عن الامتثال ، بل انّما يقدح فيما إذا كان العموم غير متمكّن عادة ، فالخطاب فعليّ ولو كان بعضهم عاجزين من جهة كون بعض الموارد خارجا عن محلّ الابتلاء ، غاية الأمر يكون العاجز معذورا في تركه مع الاضطرار الفعليّ. أنوار الهداية ٢ : ٢١٤ ـ ٢١٩.