غايته أنّ العمدة في سبب الاختلاف فيهما (١) إنّما هو الخلاف في دلالة دليلهما ـ هل أنّه (٢) على نحو يستقلّ العقل بأنّ الإتيان به موجب للإجزاء ويؤثّر فيه ـ وعدم دلالته ، ويكون النزاع فيه (٣) صغرويّا أيضا (٤). بخلافه في الإجزاء بالإضافة إلى أمره ، فإنّه لا يكون إلّا كبرويّا لو كان هناك نزاع ، كما نقل عن بعض (٥) ، فافهم (٦).
ثالثها : [المراد من الإجزاء]
الظاهر أنّ «الإجزاء» هاهنا بمعناه لغة ، وهو الكفاية ، وإن كان يختلف ما يكفي عنه ، فإنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعيّ يكفي فيسقط به التعبّد به ثانيا ، وبالأمر الاضطراريّ أو الظاهريّ يكفي فيسقط به القضاء ، لا أنّه يكون هاهنا اصطلاحا ـ بمعنى إسقاط التعبّد أو القضاء ـ ، فإنّه بعيد جدا.
__________________
(١) أي : في اقتضاء إتيان المأمور به الاضطراريّ والظاهريّ بمعنى العلّيّة والتأثير.
(٢) أي : دليلهما.
(٣) والأولى أن يقول : «فيهما» ، فإنّ الضمير يرجع إلى المأمور به الاضطراريّ والمأمور به الظاهريّ.
(٤) وحاصل الجواب : أنّ وقوع النزاع فيهما في الاقتضاء بمعنى الدلالة لا ينافي وقوعه فيهما في الاقتضاء بمعنى العلّيّة. بل يكون هناك نزاعان : أحدهما صغرويّ ، وهو النزاع في دلالة دليلهما على أنّ موضوعيهما وافيان بتمام مصلحة المأمور به الواقعيّ وعدم دلالته. وثانيهما كبرويّ ، وهو النزاع في أنّ نفس الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراريّ أو الظاهريّ هل يؤثّر في الإجزاء بلحاظ وفائه بتمام المصلحة أو لا يؤثّر فيه بلحاظ عدم وفائه بتمام المصلحة؟
فالنزاع الأوّل منشأ للنزاع الثاني ، ولا تنافي بينهما.
(٥) نقله العلّامة الحلّيّ عن أبي هاشم. ونقله السيّد الطباطبائيّ عن أبي هاشم وعبد الجبّار وأتباعهما. راجع مبادئ الوصول : ١١١ ، ومفاتيح الاصول : ١٢٦.
(٦) لعلّه إشارة إلى ما ذكره المحقّق الاصفهانيّ من أنّ فرض ابتناء وقوع النزاع في الكبرى على وقوع النزاع في الصغرى لا يناسب المسائل الاصوليّ ، إذ من شرائط المسائل الاصوليّة أن تكون نتيجتها كلّيّة جارية في جميع الموارد. مضافا إلى أنّه إذا كان النزاع الصغرويّ المذكور منشأ للنزاع الكبرويّ فالمناسب أن يحرّر النزاع في المنشأ ـ أي دلالة الدليل ـ ويفرّع النزاع الكبرويّ على كيفيّة دلالة دليلهما. نهاية الدراية ١ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.