المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفيّة بحسب ما أدّى إليه الطريق ، بل إنّما تكون موجبة لتنجّز التكليف به إذا أصاب ، وصحّة الاعتذار به إذا أخطأ ، ولكون (١) مخالفته وموافقته تجرّيا وانقيادا مع عدم إصابته ، كما هو شأن الحجّة غير المجعولة ، فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين أو ضدّين ، ولا طلب الضدّين ، ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ، ولا الكراهة والإرادة ، كما لا يخفى.
وأمّا تفويت مصلحة الواقع أو الإلقاء في مفسدته ، فلا محذور فيه أصلا إذا كانت في التعبّد به (٢) مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الإلقاء.
نعم ، لو قيل (٣) باستتباع جعل الحجّيّة للأحكام التكليفيّة ، أو بأنّه لا معنى لجعلها
__________________
(١) معطوف على قوله : «لتنجّز» أي : وتكون موجبة لكون ...
(٢) أي : في التعبّد بالطريق غير العلميّ.
(٣) هذا شروع في بيان الوجه الثاني من الوجوه الخمسة المشار إليها. وتوضيحه يستدعى تقديم امور :
الأوّل : أنّه بناء على وجود الحكم الظاهريّ في مورد الأمارات قد يدّعى أنّ الحجّيّة المجعولة للأمارات تستتبع حكما تكليفيّا ظاهريّا ، وقد يدّعى أنّ المجعول حقيقة في مورد الأمارات هو الحكم التكليفيّ الظاهريّ ، والحجّيّة منتزعة عنه.
الثاني : أنّه لا شكّ في تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ، غاية الأمر قد تكون المصالح أو المفاسد في متعلّقات الأحكام فتتبع الأحكام لها ، من دون أن تكون في نفس الأحكام مصلحة أو مفسدة ؛ وقد تكون المصالح أو المفاسد في نفس الأحكام لا في متعلّقاتها. وعليه فالأحكام بعضها ناشئ عن وجود المصلحة أو المفسدة في متعلّقه ، وهي : «الأحكام الواقعيّة» ؛ وبعضها ناشئ عن وجود المصلحة أو المفسدة في نفسه وهي : «الأحكام الظاهريّة».
الثالث : أنّ المعتبر في كون حكم مثلا لحكم آخر أو كون حكم ضدّا لحكم آخر هو وحدة المنشأ فيهما ، بأن يكون منشأ أحدهما نفس منشأ الآخر. فيكون الحكمان مثلين فيما إذا كانا ناشئين عن وجود مصلحة أو مفسدة في متعلّق واحد ، بأن يكون منشأ أحدهما وجود المصلحة في المتعلّق الّذي يكون وجودها فيه منشأ أيضا لصدور الحكم الآخر. ويكون الحكمان ضدّين إذا كان منشأ الوجوب ـ مثلا ـ وجود المصلحة في المتعلّق الذي يكون وجود المفسدة فيه منشأ للحكم بحرمته.
وإمّا إذا اختلف منشؤهما ـ بأن يكون المنشأ في أحدهما وجود المصلحة أو المفسدة ـ