والتحقيق عدم جوازه ، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه : أنّ الخاصّ إنّما يزاحم العامّ فيما كان فعلا حجّة ، ولا يكون حجّة فيما اشتبه أنّه من أفراده ، فخطاب «لا تكرم فسّاق العلماء» لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شكّ في فسقه من العلماء ، فلا يزاحم مثل «أكرم العلماء» ولا يعارضه ، فإنّه يكون من قبيل مزاحمة الحجّة بغير الحجّة.
وهو (١) في غاية الفساد ، فإنّ الخاصّ وإن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا ، إلّا أنّه (٢) يوجب اختصاص حجّيّة العامّ في غير عنوانه من الأفراد ، فيكون «أكرم العلماء» دليلا وحجّة في العالم غير الفاسق. فالمصداق المشتبه وإن كان مصداقا للعامّ بلا كلام ، إلّا أنّه لم يعلم أنّه من مصاديقه بما هو حجّة ، لاختصاص حجّيّته بغير الفاسق.
وبالجملة : العامّ المخصّص بالمنفصل وإن كان ظهوره في العموم كما إذا لم يكن مخصّصا ـ بخلاف المخصّص بالمتّصل كما عرفت ـ إلّا أنّه في عدم الحجّيّة ـ إلّا في غير عنوان الخاصّ ـ مثله. فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجّتين ، فلا بدّ من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين. هذا إذا كان المخصّص لفظيّا.
وأمّا إذا كان لبّيّا (٣) : فإن كان ممّا يصحّ أن يتّكل عليه المتكلّم إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب (٤) ، فهو كالمتّصل ، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعامّ إلّا في الخصوص. وإن لم يكن كذلك ، فالظاهر بقاء العامّ في المصداق المشتبه على
__________________
ـ موضوع الحكم وتضييقه وبين المخصّص اللبّي الّذي يوجب تقييد موضوع الحكم. فلا يجوز التمسّك به في الأوّل ، ويجوز في الثاني. وهذا ما اختاره المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ٢ : ٥٣٦ ـ ٥٣٩.
(١) أي : ما يقال في وجه جوازه.
(٢) أي : الخاصّ.
(٣) المخصّص اللبّيّ ما يقابل اللفظيّ ، كالإجماع ودليل العقل والسيرة وغيرها.
(٤) كما إذا كان المخصّص حكما عقليّا ضروريّا بحيث يعدّ عرفا من القرائن المتّصلة المانعة عن انعقاد ظهور للعامّ في العموم.