ومنها : أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
وقد أورد عليه ـ في القوانين (١) ـ : بأنّه مطلقا ممنوع (٢) ، لأنّ في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعيّن (٣).
ولا يخفى ما فيه (٤) ، فإنّ الواجب ـ ولو كان معيّنا ـ ليس إلّا لأجل أنّ في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة. كما أنّ الحرام ليس إلّا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.
ولكن يرد عليه (٥) : أنّ الأولويّة مطلقا ممنوعة ، بل ربما يكون العكس أولى (٦) ، كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرّمات مع ترك بعض الواجبات ، خصوصا مثل الصلاة وما يتلو تلوها.
ولو سلّم فهو أجنبيّ عن المقام (٧) ، فإنّه فيما إذا دار بين الواجب والحرام ، ولو سلّم فإنّما يجدي فيما لو حصل القطع.
__________________
(١) قوانين الاصول ١ : ١٥٣.
(٢) أي : أنّ الأولويّة على إطلاقها ممنوعة.
(٣) والحاصل : أنّ الاستدلال بأولويّة دفع مفسدة المنهيّ عنه من جلب منفعة المأمور به على تقديم الأمر على النهي إنّما يتمّ فيما لم يكن في ترك الواجب مفسدة ، كالواجبات التخييريّة ؛ وأمّا في غيرها ـ من الواجبات العينيّة ـ فلا ، فإنّ في تركها أيضا مفسدة. وحينئذ يدور الأمر بين المفسدتين : مفسدة فعل الحرام ـ كالغصب ـ ومفسدة ترك الواجب ـ كالصلاة ـ ، وبما أنّ مفسدة ترك الواجب أهمّ فتقدّم دفعها بفعل الواجب ، وهو معنى تقديم الأمر على النهي.
(٤) أي : فيما أفاد صاحب القوانين. وحاصله : أنّه لا مفسدة في ترك الواجب ، بل إنّما يكون في فعله المصلحة ، كما أنّه لا مصلحة في ترك الحرام ، بل إنّما يكون في فعله مفسدة ، وإلّا لكان اللازم أن ينحلّ كلّ حكم إلى حكمين : أحدهما متعلّق بالفعل والآخر بالترك ، وهو كما ترى.
(٥) أي : يرد على الاستدلال بأولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة.
(٦) أي : قد يكون جلب المنفعة أولى من دفع المفسدة. وهو فيما إذا كانت منفعة المأمور به في غاية القوّة ومفسدة المنهيّ عنه في غاية الضعف.
(٧) فإنّ الترجيح به إنّما يناسب ترجيح المكلّف واختياره للفعل أو الترك بما هو أوفق بغرضه ، لا المقام وهو مقام جعل الأحكام ، فانّ المرجّح هناك ليس إلّا حسنها أو قبحها العقليّان ، لا موافقة الأغراض ومخالفتها كما لا يخفى ، تأمّل تعرف. منه [أعلى الله مقامه].