هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له أو عن فعليّته ، كما مرّ تفصيله (١).
[وجوه ترجيح النهي على الأمر]
وكيف كان فلا بدّ في ترجيح أحد الحكمين من مرجّح. وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها (٢) :
منها : أنّه أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد بخلاف الأمر.
وقد أورد عليه : بأنّ ذلك فيه (٣) من جهة إطلاق متعلّقه بقرينة الحكمة ، كدلالة الأمر على الاجتزاء بأيّ فرد كان (٤).
وقد اورد عليه (٥) : بأنّه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإطلاق بمقدّمات الحكمة وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام ، لكان استعمال مثل «لا تغصب» في بعض أفراد الغصب حقيقة (٦) ؛ وهذا واضح الفساد (٧). فتكون دلالته على العموم من جهة أنّ وقوع الطبيعة في حيّز النفي أو النهي يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع الأفراد ، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها إلّا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه (٨).
__________________
(١) مرّ تفصيله في الأمر العاشر من الامور المتقدّمة على المقصود. فراجع الصفحة : ٢٨ من هذا الجزء.
(٢) تعرّض لها المحقّق القميّ في القوانين ١ : ١٥٣ ، وصاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٢٧ ، والشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ١٢٥.
(٣) أي : انتفاء جميع الأفراد في النهي.
(٤) والحاصل : أنّ النهي والأمر متساويان في الدلالة على العموم ، فإنّ دلالة كلّ من الأمر والنهي على العموم تكون بمقدّمات الحكمة ، فلا فرق بينهما إلّا من جهة أنّ العموم في النهي شموليّ وفي الأمر بدليّ ، وهذا يوجب أقوائيّة دلالة النهي من دلالة الأمر.
(٥) أي : على الإيراد المذكور.
(٦) بناء على أنّ استعمال المطلق في المقيّد يكون على نحو الحقيقة.
(٧) لأنّ المتبادر من لفظ النهي هو الإطلاق وعدم الخصوصيّة ، فيكون استعماله في البعض مجازا.
(٨) والحاصل : أنّ النهي يدلّ على العموم بذاته لا بمقدّمات الحكمة. فإذن يتبيّن أقوائيّة دلالة النهي على العموم الاستغراقيّ من دلالة الأمر على العموم البدليّ.