إلّا من مخصّصاته ومشخّصاته الّتي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزيّة ـ زيادة ونقيصة ـ بحسب اختلافها في الملاءمة ، كما عرفت.
وقد انقدح بما ذكرناه : أنّه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقلّيّة الثواب في القسم الأوّل (١) مطلقا (٢) ، وفي هذا القسم على القول بالجواز (٣).
كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها (٤) ؛ وأنّ الأمر الاستحبابيّ يكون على نحو الإرشاد إلى أفضل الأفراد مطلقا (٥) على نحو الحقيقة ، ومولويّا اقتضائيّا كذلك (٦) ، وفعليّا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحبّ (٧) ، أو متّحدة معه (٨) على القول بالجواز.
ولا يخفى : أنّه لا يكاد يأتي القسم الأوّل هاهنا (٩) ، فإنّ انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الّذي لا بدل له إنّما يؤكّد إيجابه ، لا أنّه يوجب استحبابه أصلا ،
__________________
(١) كصوم يوم عاشوراء والنوافل المبتدئة وغيرها ممّا لا بدل له. والوجه في عدم كون الكراهة بمعنى أقلّيّة الثواب أنّ الطبيعة منحصرة في فرد واحد ، وهو صوم يوم عاشوراء ـ مثلا ـ. فلا فرد آخر لطبيعة صوم يوم عاشوراء كي يقاس عليه قلّة الثواب وكثرته في سائر الأفراد ويكون النهي إرشادا إلى إتيان الطبيعة في ضمن غيره من الأفراد الّتي لا منقصة فيها.
(٢) أي : سواء بنينا على الجواز أو الامتناع. أمّا على الأوّل فلتعدّد متعلّق الأمر والنهي. وأمّا على الثاني فلعدم بدل للعبادة.
(٣) إذ على هذا القول يتعدّد متعلّق الأمر والنهي ، ولا مانع من اجتماع الأمر والنهي المولويّين ، فلا حاجة إلى تأويل النهي وحمله على غير ظاهره من الإرشاديّة.
(٤) أي : في العبادات.
(٥) أي : على كلا القولين.
(٦) أي : على نحو الحقيقة.
(٧) أي : فيما كان ملاك الأمر الاستحبابيّ ملازمة العبادة الواجبة لما هو مستحبّ ، كملازمة الصلاة لاجتماع المسلمين في مكان ، والمفروض أنّ اجتماعهم مستحبّ.
(٨) هكذا في النسخة الأصليّة. والتحقيق أنّه إن كان معطوفا على قوله : «مستحبّ» فالصحيح أن يقول : «أو متّحد معه» ، ويكون معنى العبارة : أو ملازمتها لما هو متّحد مع مستحبّ. وأمّا إن كان معطوفا على قوله: «ملازمتها» فالصحيح أن يقول : «أو اتّحادها معه».
(٩) هكذا في جميع النسخ. والصحيح أن يقول : «لا يكاد يأتي ما ذكر في القسم الأوّل هاهنا».