الأمر المولويّ ، إلاّ إذا لزم منه محال التسلسل ، كالأمر بالطاعة والأمر بالمعرفة ؛ بل مثل هذه الموارد لا معنى لأن يكون الأمر فيها مولويّا ؛ لأنّه لا يترتّب على موافقته غير ما يترتّب على متعلّق المأمور به ، نظير الأمر بالاحتياط في أطراف العلم الإجماليّ.
توضيح وتعقيب
والحقّ أنّ الالتزام بالتحسين والتقبيح العقليّين هو نفس الالتزام بتحسين الشارع وتقبيحه ، وفقا لحكم العقلاء ؛ لأنّه من جملتهم ، لا أنّهما شيئان أحدهما يلزم الآخر ، وإن توهّم ذلك بعضهم. (١)
ولذا ترى أكثر الأصوليّين والكلاميّين لم يجعلوهما مسألتين بعنوانين ، بل لم يعنونوا إلاّ مسألة واحدة هي مسألة «التحسين والتقبيح العقليّين».
وعليه ، فلا وجه للبحث عن ثبوت الملازمة بعد فرض القول بالتحسين والتقبيح وأمّا نحن فإنّما جعلنا الملازمة مسألة مستقلّة فللخلاف الذي وقع فيها بتوهّم التفكيك.
ومن العجيب ما عن صاحب الفصول رحمهالله من إنكاره للملازمة ، مع قوله بالتحسين والتقبيح العقليّين (٢) ، وكأنّه ظنّ أنّ كلّ ما أدركه العقل من المصالح والمفاسد ـ ولو بطريق نظريّ أو من غير سبب عامّ من الأسباب المتقدّمة ذكرها ـ يدخل في مسألة التحسين والتقبيح ، وأنّ القائل بالملازمة يقول بالملازمة أيضا في مثل ذلك.
ولكن نحن قلنا : إنّ قضايا التحسين والتقبيح هي القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء كافّة بما هم عقلاء ، وهي بادئ رأي الجميع ، وفي مثلها نقول بالملازمة لا مطلقا. فليس كلّ ما أدركه العقل من أيّ سبب كان ـ ولو لم تتطابق عليه الآراء ، أو تطابقت ولكن لا بما هم عقلاء ـ يدخل في هذه المسألة.
وقد ذكرنا نحن سابقا (٣) : أنّ ما يدركه العقل من الحسن والقبح بسبب العادة أو الانفعال و
__________________
(١) كصاحب الفصول والشيخ الأنصاريّ. فراجع الفصول الغرويّة : ٣٣٧ ، ومطارح الأنظار : ٢٣١ ـ ٢٣٢.
(٢) الفصول الغرويّة : ٣٣٧.
(٣) تقدّم في الصفحة : ٢٣٥ ـ ٢٣٦.