هذا موافق لما أفاده بعض الأفاضل المقرّر لبحثه (١) بأدنى تفاوت (٢).
ولا يخفى ما فيه :
أمّا حديث عدم الإطلاق في مفاد الهيئة : فقد حقّقناه سابقا (٣) أنّ كلّ واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عامّا كوضعها ، وإنّما الخصوصيّة من قبل الاستعمال كالأسماء ؛ وإنّما الفرق بينهما أنّها وضعت لتستعمل وقصد بها المعنى بما هو هو ، والحروف وضعت لتستعمل وقصد بها معانيها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلّقات ؛ فلحاظ الآليّة كلحاظ الاستقلاليّة ليس من طوارئ المعنى ، بل من مشخّصات الاستعمال ـ كما لا يخفى على اولي الدراية والنهى ـ ؛ فالطلب المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق قابل لأنّ يقيّد.
مع أنّه لو سلّم أنّه (٤) فرد فإنّما يمنع عن التقييد لو انشئ أوّلا غير مقيّد ، لا ما إذا انشئ من الأوّل مقيّدا ، غاية الأمر قد دلّ عليه بدالّين ، وهو غير إنشائه أوّلا ثمّ تقييده ثانيا ، فافهم.
فإن قلت : على ذلك يلزم تفكيك الإنشاء من المنشأ حيث لا طلب قبل
__________________
(١) هو المحقّق الشيخ أبو القاسم النوريّ الكلانتريّ.
(٢) مطارح الأنظار : ٤٩.
وقد تنكر صحّة نسبة رجوع القيد إلى المادّة إلى الشيخ الأنصاريّ. وذلك لما ذكره في كتاب المكاسب : ١٠٠ (مبحث جواز التعليق في العقود) من أنّه لو لا الإجماع لكان مقتضى القواعد صحّة التعليق في العقد. وهذا ينافي عدم صحّة رجوع القيد إلى الهيئة ، لأنّ الإنشاء مدلول الهيئة ، فكيف يصحّ تعليقه ثبوتا؟
ويمكن دفع التنافي بأنّه لم يدّع صحّة تعليق نفس الإنشاء الّذي هو مدلول الهيئة ، بل ادّعى صحّة تعليق المنشأ الّذي هو مدلول المادّة ، فلا تنافي بين الالتزام بعدم صحّة رجوع القيد إلى الهيئة والالتزام بصحّة التعليق في العقود.
نعم ، يمكن تأييد عدم صحّة النسبة إليه بما يأتي من أنّه ذهب إلى تقييد المادّة عند الدوران بين رجوع القيد إلى الهيئة أو المادّة ، فراجع مطارح الأنظار : ٤٩.
(٣) في الأمر الثاني من الامور المذكورة في المقدّمة : ٢٨ ـ ٣١.
(٤) أي : الطلب المفاد من الهيئة.