درس فرائد الاصول - برائت

جلسه ۴۹: برائت ۴۹

جواد مروی
استاد
جواد مروی
 
۱

صوت موجود نیست

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات» (١) ، وهذا إنّما ينطبق على الشبهة في نفس الحكم ؛ وإلاّ لم يكن الحلال البيّن ولا الحرام البيّن ، ولا يعلم أحدهما من الآخر إلاّ علاّم الغيوب ، وهذا ظاهر واضح (٢).

أقول : فيه ـ مضافا إلى ما ذكرنا ، من إباء سياق الخبر عن التخصيص ـ : أنّ رواية التثليث ـ التي هي العمدة من أدلّتهم ـ ظاهرة في حصر ما يبتلي به المكلّف من الأفعال في ثلاثة ، فإن كانت عامّة للشبهة الموضوعيّة أيضا صحّ الحصر ، وإن اختصّت بالشبهة الحكميّة كان الفرد الخارجيّ المردّد بين الحلال والحرام قسما رابعا ؛ لأنّه ليس حلالا بيّنا ولا حراما بيّنا ولا مشتبه الحكم.

ولو استشهد بما قبل النبويّ (٣) ، من قول الصادق عليه‌السلام : «إنّما الامور ثلاثة» ، كان ذلك أظهر في الاختصاص بالشبهة الحكميّة ؛ إذ المحصور في هذه الفقرة الامور التي يرجع فيها إلى بيان الشارع ، فلا يرد إخلاله بكون الفرد الخارجيّ المشتبه أمرا رابعا للثلاثة.

وأمّا ما ذكره من المانع لشمول النبويّ للشبهة الموضوعيّة : من أنّه لا يعلم الحلال من الحرام إلاّ علاّم الغيوب ، ففيه :

أنّه إن اريد عدم وجودهما ، ففيه ما لا يخفى. وإن اريد ندرتهما ،

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١١٤ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

(٢) الفوائد الطوسيّة : ٥١٩.

(٣) أي : النبويّ المذكور في أوّل هذه الصفحة : «حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات».

ففيه : أنّ الندرة تمنع من اختصاص النبويّ بالنادر لا من شموله له. مع أنّ دعوى كون الحلال البيّن من حيث الحكم أكثر من الحلال البيّن من حيث الموضوع قابلة للمنع ، بل المحرّمات الخارجيّة المعلومة أكثر بمراتب من المحرّمات الكلّية المعلوم تحريمها.

ثمّ قال :

ومنها : ما ورد من الأمر البليغ باجتناب ما يحتمل الحرمة والإباحة بسبب تعارض الأدلّة وعدم النصّ ، وذلك واضح الدلالة على اشتباه نفس الحكم الشرعيّ.

أقول : ما دلّ على التخيير والتوسعة مع التعارض وعلى الإباحة مع عدم ورود النهي وإن لم يكن في الكثرة بمقدار أدلّة التوقّف والاحتياط ، إلاّ أنّ الإنصاف أنّ دلالتها على الإباحة والرخصة أظهر من دلالة تلك الأخبار على وجوب الاجتناب.

ثمّ قال :

ومنها : أنّ ذلك وجه للجمع بين الأخبار لا يكاد يوجد وجه أقرب منه.

أقول : مقتضى الإنصاف أنّ حمل أدلّة الاحتياط على الرجحان المطلق أقرب ممّا ذكره.

ثمّ قال ما حاصله :

ومنها : أنّ الشبهة في نفس الحكم يسأل عنها الإمام عليه‌السلام ، بخلاف الشبهة في طريق الحكم ؛ لعدم وجوب السؤال عنه ، بل علمهم بجميع أفراده غير معلوم أو معلوم العدم ؛ لأنّه من علم الغيب فلا يعلمه إلاّ الله ، وإن كانوا يعلمون منه ما يحتاجون إليه وإذا شاءوا أن يعلموا شيئا

علموه ، انتهى.

أقول : ما ذكره من الفرق لا مدخل له ؛ فإنّ طريق الحكم لا يجب الفحص عنه وإزالة الشبهة فيه ، لا من الإمام عليه‌السلام ولا من غيره من الطرق المتمكّن منها ، والرجوع إلى الإمام عليه‌السلام إنّما يجب في ما تعلّق التكليف فيه بالواقع على وجه لا يعذر (١) الجاهل المتمكّن من العلم.

وأمّا مسألة مقدار معلومات الإمام عليه‌السلام من حيث العموم والخصوص ، وكيفيّة علمه بها من حيث توقّفه على مشيّتهم أو على التفاتهم إلى نفس الشيء أو عدم توقّفه على ذلك ، فلا يكاد يظهر من الأخبار المختلفة في ذلك ما يطمئنّ به النفس ؛ فالأولى ووكول علم ذلك إليهم صلوات الله عليهم أجمعين.

ثمّ قال :

ومنها : أنّ اجتناب الشبهة في نفس الحكم أمر ممكن مقدور ؛ لأنّ أنواعه محصورة ، بخلاف الشبهة في طريق الحكم فاجتنابها غير ممكن ؛ لما أشرنا إليه : من عدم وجود الحلال البيّن ، ولزوم تكليف ما لا يطاق.

والاجتناب عمّا يزيد على قدر الضرورة حرج عظيم وعسر شديد ؛ لاستلزامه الاقتصار في اليوم والليلة على لقمة واحدة وترك جميع الانتفاعات ، انتهى.

أقول : لا ريب أنّ أكثر الشبهات الموضوعيّة لا يخلو عن أمارات الحلّ والحرمة ، ك «يد المسلم» ، و «السوق» ، و «أصالة الطهارة» ، و «قول

__________________

(١) في (ظ) زيادة : «فيه».