وفيه : أن وجود الحاجب وعدمه مما لا أثر له ، وإنما الأثر الشرعي مترتب على وصول الماء إلى البشرة وعدمه ، واستصحاب عدم الحاجب لإثبات وصول الماء إلى البشرة من الأُصول المثبتة التي لا نقول باعتبارها ، فان وصول الماء إليها من اللوازم العقلية لعدم طروء الحاجب.

ودعوى أن الواسطة خفية ومعه يكون المثبت حجة مما لا يصغي إليه ، لما ذكرناه في المباحث الأُصولية (١) من أنه لا أثر لخفاء الواسطة وجلائها ، والأُصول المثبتة غير معتبرة بإطلاقها ، فإن الاعتبار في موارد الاستصحاب إنما هو بالمتيقن والمشكوك فيه ولا اعتبار بغيرهما من اللوازم والملزومات ، بل اللّوازم بأنفسها مورد لاستصحاب العدم ، فيقال مثلاً إن وصول الماء إلى البشرة اللاّزم لعدم طروء الحاجب في محل الكلام لم يكن متحققاً قبل ذلك قطعاً ، فاذا شككنا في تبدله إلى الوجود نبني على عدم وصوله إليها في زمان الشك أيضاً.

الثالث : وهو العمدة ، دعوى سيرة المتدينين المتصلة بزمان المعصومين عليهم‌السلام الجارية على عدم الاعتناء بالشك في وجود الحاجب ، لأن الإنسان في أكثر الفصول لا يخلو عن البق والبرغوث وغيرهما من الحيوانات المؤذية الصغار ، ويتسبّب بمصِّها أو قتلها وهي على جسم الإنسان وقوع قطرة أو قطرتين من الدم على اللباس أو على أعضاء الغسل أو الوضوء ، وهي مانعة عن وصول الماء إلى البشرة غالباً ، كيف وربما يصعب إزالتها بعد الجفاف.

مع أنّا لم نسمع ولم نر أحداً من المتدينين يفحص عن ذلك في بدنه عند اغتساله أو توضئه بل ينسبون المتفحص عن ذلك إلى الوسواس ، مع وجود الاحتمال ، إذ قد يحصل القطع للمكلف بخلو بدنه من دم القمل والبق وقذى البراغيث.

وهذه السيرة قد ادّعاها جمع من المحقِّقين ، ومنهم صاحب الجواهر (٢) والمحقّق‌

__________________

(١) في مصباح الأُصول ٣ : ١٥٨.

(٢) الجواهر ٢ : ٢٨٨.

۴۴۶