كل من التبري منه عليه‌السلام تقيّة والتعرض للقتل ، وأن كلاًّ من الرجلين من أهل الجنّة وقد تعجّل أحدهما إلى الجنة وتأخّر الآخر.

وما رواه محمد بن مروان قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام ما منع ميثم ; من التقيّة؟ فوالله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه « ﴿ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » (١) لدلالتها على جواز كل من البراءة واختيار القتل ، لأنه عليه‌السلام لم يتزجر عما فعله ميثم وإنما سأل عن وجهه ، هذا.

وقد يقال : إن ترك التقيّة أرجح من التقيّة بإظهار التبري منه عليه‌السلام وعليه فيكون المقام من موارد التقيّة المكروهة والمرجوحة ، وإذا قلنا بعكس ذلك وأن التقيّة بإظهار التبري أرجح من تركها فيكون المقام مثالاً للتقيّة المستحبّة لا محالة.

والصحيح أن الأمرين متساويان ولا دلالة لشي‌ء من الروايات على أرجحية أحدهما من الآخر ، أمّا رواية عبد الله بن عطاء ، فلأنها إنما دلت على أن من ترك التقيّة فقتل فقد تعجّل إلى الجنة ، ولا دلالة لذلك على أن ترك التقيّة باختيار القتل أرجح من فعلها ، وذلك لأن العامل بالتقيّة أيضاً من أهل الجنّة وإنما لم يتعجل بل تأجّل فلا يستفاد منه إلاّ تساويهما.

وأما ما رواه محمد بن مروان ، فلأنها إنما تدل على أرجحية التقيّة بإظهار التبري منه عليه‌السلام فيما إذا كانت كلمة « ميثم » غير منصرفة ، فيصح وقتئذٍ أن تقرأ كلمة « منع » مبنيّة للفاعل والمفروض أن كلمة « ميثم » لا تكتب منصوبة ميثماً لعدم انصرافها ، فتدلنا الرواية حينئذٍ على توبيخ ميثم لتركه التقيّة وتعرّضه للقتل والهلاك إلاّ أن كلمة « ميثم » منصرفة ، لوضوح عدم اشتمالها على موانع الصرف ، وعليه فلا يصح قراءة كلمة « منع » مبنية للفاعل وإلاّ للزم أن تكون كلمة « ميثم » منصوبة وأن تكون العبارة هكذا : ما منع ميثماً ، ولم تذكر الكلمة في شي‌ء من النسخ التي وقفنا عليها منصوبة ، بل هي في جميع النسخ مكتوبة بالرفع « ميثم » ومعه لا بدّ من قراءة‌

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٢٦ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٩ ح ٣.

۴۴۶