فكل عمل صنعه المكلف اتقاء لضرره واضطراراً إليه فهو محكوم بالجواز والحلية في الشريعة المقدسة.

وأمّا التقيّة بالمعنى الأخص أعني التقيّة من العامّة ، فهي في الأصل واجبة ، وذلك للأخبار الكثيرة الدالة على وجوبها ، بل دعوى تواترها الإجمالي والعلم بصدور بعضها عنهم عليهم‌السلام ولا أقل من اطمئنان ذلك قريبة جدّاً. هذا على أن في بينها روايات معتبرة كصحيحتي ابن أبي يعفور ومعمر بن خلاد (١) وصحيحة زرارة (٢) وغيرها من الروايات الدالة على وجوب التقيّة.

ففي بعضها « إن التقيّة ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقيّة له » (٣) وأي تعبير أقوى دلالة على الوجوب من هذا التعبير ، حيث إنه ينفي التدين رأساً عمن لا تقيّة له ، فمن ذلك يظهر أهميتها عند الشارع وأن وجوبها بمثابة قد عدّ تاركها ممن لا دين له. وفي بعضها الآخر « لا إيمان لمن لا تقيّة له » (٤) وهو في الدلالة على الوجوب كسابقه. وفي ثالث « لو قلت إن تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقاً » (٥) ودلالته على الوجوب ظاهرة ، لأن الصلاة هي الفاصلة بين الكفر والإيمان كما في الأخبار وقد نزّلت التقيّة منزلة الصلاة ودلت على أنها أيضاً كالفاصلة بين الكفر والإيمان. وفي رابع « ليس منّا من لم يجعل التقيّة شعاره ودثاره » (٦). وقد عدّ تارك التقيّة في بعضها ممن أذاع سرهم وعرّفهم إلى أعدائهم (٧) إلى غير ذلك من الروايات ، فالتقيّة بحسب الأصل الأوّلي‌

__________________

١٨.

(١) الوسائل ١٦ : ٢٠٥ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٧ ، ٤.

(٢) الوسائل ١٦ : ٢١٤ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ١.

(٣) الوسائل ١٦ : ٢١٠ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٢٤.

(٤) كما في صحيحتي ابن أبي يعفور ومعمر بن خلاّد المتقدِّمتين آنفاً.

(٥) كما في رواية السرائر المروية في الوسائل ١٦ : ٢١١ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٢٧.

(٦) الوسائل ١٦ : ٢١٢ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٢٩.

(٧) كما في رواية الاحتجاج المروية في الوسائل ١٦ : ٢٢٨ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٩ ح ١١ ،

۴۴۶