الحاجة إلى إتيانها ، وتغيير أُسلوب الكلام يدلنا على أن المراد في الأمر بمسح الرأس إنما هو مسح البعض ، بخلاف الأمر بالغسل في الوجه واليدين فان المراد منه غسل الجميع دون البعض ، هذا.

ويحتمل قوياً أن يكون الوجه في استفادة البعض من الآية المباركة أمراً آخر وراء ذلك كلّه ، وإن احتاج إلى العناية في الكلام.

وتقريب ذلك أن يقال : إن الماسح حقيقة وإن كان هو اليد والممسوح هو الرأس ، إلاّ أن الإتيان بكلمة الباء والعناية بذكرها في الكلام يدلنا على أن المراد بالعكس ، وأن الرأس جعل آلة وسبباً لمسح اليد ، بمعنى أن الماسح هو الرأس والممسوح هي اليد نظير قولنا : مسحت يدي بالحائط ، فإن معناه أن الحائط قد صار سبباً لمسح ما بيدي من الرطوبة أو الدهن أو غيرهما ، وهذا وإن كان على خلاف الواقع في المقام إلاّ أن مقتضى العناية الواقعة في الكلام هو ما ذكرناه فيقال : إن الرأس صار سبباً لمسح ما بيد المتوضئ من الرطوبة ، فإذا صار الماسح هو الرأس يتعيّن أن يكون المسح ببعضه لا بتمامه كما هو الحال في المثال المتقدم ، فإن صحة قولك : مسحت يدي بالحائط غير متوقفة على مسح جميع الحائط باليد ، بل يصح ذلك بمسح اليد بشي‌ء من الحائط. إذن فالمسح بالرأس بنفسه يقتضي المسح بالبعض لا بتمامه ، هذا تمام الكلام في هذه الصحيحة.

ومما يدلنا على ما سلكه المشهور في المسألة ، صحيحة الأخوين أعني زرارة وبكيراً أنهما سألا أبا جعفر عليه‌السلام عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : « فاذا مسح بشي‌ء من رأسه أو بشي‌ء من قدميه ... » (١).

وصحيحتهما الأُخرى أيضاً عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال في المسح : « تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٨ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

۴۴۶