أحدهما : أنّ الجرح مضرة والتكليف نفسه ليس بمضرة وإنما المشقة في الأفعال التي يتناولها التكليف.

الثاني : أنّ الجرح والتداوي إنزال مضرة لا غرض فيه إلّا التخلص من تلك المضرة بخلاف التكليف.

وعن الثاني : أنّ المراضاة تعتبر في المعاوضات لاختلاف أغراض الناس في التعامل جنساً ووصفاً أما إذا لم يكن هناك معاوضة وبلغ النفع حدّاً يكون غاية ما يطلبه العقلاء لم يختلف العقلاء في اختيار المشقة بسببه حتى أن العقلاء يسفهون الممتنع منه.

وعن الثالث : انّ الشكر لا يشترط فيه المشقة والله تعالى قادر على إزالة صفة المشقة عن هذه الأفعال ، فلو كان التكليف شكراً لزم العبث في صفة المشقة ولأن طلب الفعل الشاق شكراً يخرج النعمة عن كونها نعمة.

قال : ولأنَّ النوعَ محتاجٌ إلى التعاضُدِ المستلزمِ للسنةِ النافعِ استعمالُها في الرياضة وإدامةِ النظر في الأُمور العالية ، وتَذكُّرِ الإنذارات المستلزمةِ لإقامة العدل مع زيادة الأجر والثواب.

أقول : لما ذكر المصنف رحمه‌الله حسن التكليف على رأي المتكلمين شرع في طريق الإسلاميين من الفلاسفة ، فبدأ بذكر الحاجة إلى التكليف ، ثمّ ذكر منافعه الدنيوية والأخروية.

وتحقيقه أن نقول : إنّ الله خلق الإنسان مدنياً بالطبع (١) لا كغيره من

__________________

(١) هذا البرهان مركب من أُمور :

١ ـ بقاء النوع (الإنسان) ببقاء الأشخاص أمر حسن.

٢ ـ لا تحصل تلك الغاية إلّا بالتعاضد والتعاون.

۳۰۸۱