والمتكلمون سلكوا طريقاً آخر فقالوا : العالم حادث فلا بدّ له من محدث ، فلو كان محدثاً تسلسل أو دار وإن كان قديماً ثبت المطلوب لأنّ القدم يستلزم الوجوب ، وهذه الطريقة إنّما تتمشى بالطريقة الأولى فلهذا اختارها المصنّف رحمهالله على هذه.
__________________
وقال ـ بعد بحوث مفصّلة حول البرهان المذكور ـ : «تأمّل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأوّل ووحدانيته وبراءته من الصمات إلى تأمّل لغير نفس الوجود ، ولم يحتج إلى اعتبار مِنْ خلقه وفعله وإن كان ذلك دليلاً عليه لكن هذا الباب أوثق وأشرف ، أي إذا اعتبرنا حال الوجود فشهد به الوجود من حيث هو وجود وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الوجود ، وإلى مثل هذا أُشير في الكتاب الإلهي : ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصّلت : ٥٣).
أقول : إنّ هذا حكم لقوم ثمّ يقول : ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصّلت : ٣).
أقول : إنّ هذا حكم للصديقين الذين يستشهدون به لا عليه» (١).
نعم هذا مسلكهم ، وأمّا مسلك المتكلّمين فهم يستدلّون بحدوث العالم على وجود المحدِث ، كما أنّ الباحثين عن الطبيعة يستدلّون بالحركة فيها على وجود المحرِّك ، وقد أشار الحكيم السبزواري إلى الوجوه الثلاثة ، قال :
«إذا الوجود كان واجباً فهو
ومع الإمكان قد استلزمه
ثمّ الطبيعي طريقَ الحركة
يأخذ للحق سبيلاً سلكه
من في حدوث العالم قد انتهج
فإنّه عن منهج الصدق خرج
[وأمّا ضعف الوجه الثالث] لأنّ مناط الحاجة إلى العلّة هو الإمكان فقط لا الحدوث ، ولا الإمكان مع الحدوث» (٢).
__________________
(١) شرح الإشارات للمحقق الطوسي قسم المتن : ٣ / ٦٦.
(٢) الحكيم السبزواري : شرح المنظومة / ١٤١ ـ ١٤٣.