وجماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أنّه كسبي (١) ، واستدلوا بحسن المدح والذم عليه ، فلزمهم الدور لأنّ حسن المدح والذم مشروط بالعلم بالاستناد إلينا فلو جعلنا الاستناد إلينا مستفاداً منه لزم الدور.

قال : والوجوب باختيار السبب لاحقٌ.

أقول : هذا جواب عن إشكال يورد هنا ، وهو أن يقال : إنّ المتولد لا يقع بقدرتنا لأنّ المقدور هو الذي يصح وجوده وعدمه عن القادر ، وهذا المعنى منفي في المتولد لأنّ عند اختيار السبب يجب المسبب فلا يقع بالقدرة المصححة.

والجواب : أنّ الوجوب في المسبب عند اختيار السبب وجوب لاحق كما أنّ الفعل يجب عند وجود القدرة والداعي ، وعند فرض وقوعه وجوباً لاحقاً لا يؤثر في الإمكان الذاتي والقدرة فكذا هنا.

قال : والذمُّ في إلقاء الصبيِّ عليه لا على الإحراق.

أقول : هذا جواب عن شبهة لهم ، وهي : أنّ المدح والذم لا يدلان على

__________________

(١) ذهبت جماعة من المعتزلة إلى أنّ كوننا فاعلين أمر نظري كسبي يحتاج إلى إقامة البرهان ، واستدلوا بحسن المدح والذم ، على المتولّد ، على كون الإنسان فاعلاً له ، وأورد عليه الشارح بالدور ، لأنّ إحراز كوننا فاعلين متوقف على حسن المدح والذم ، وحسن المدح والذم متوقف على ذلك الإحراز. وبذلك يعلم أنّ لفظ العلم في قوله : «مشروط بالعلم» ليس زائداً ، إذ ليس الاستناد بما هو هو موقوفاً على حسن المدح والذم بل إحرازه موقوف عليهما ، وأمّا قوله : «فلو جعلنا الاستناد» فالمراد منه «العلم بالاستناد» والصدر قرينة على التصرف في الذيل لا العكس ، وبذلك يعلم ورود الدور على الماتن أيضاً حيث استدل بحسن المدح والذم على العلم بأنّا فاعلون ، وهو عبارة أُخرى عن العلم بالاستناد إلينا في كلام المعتزلة.

۳۰۸۱