أقول : يريد إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبيان أفعاله وآثاره ، وابتدأ بإثبات وجوده ، لأنّه الأصل في ذلك كلّه ، والدليل على وجوده أن نقول : هنا موجود بالضرورة ، فإن كان واجباً فهو المطلوب ، وإن كان ممكناً افتقر إلى مؤثر موجود بالضرورة ، فذلك المؤثر إن كان واجباً فالمطلوب ، وإن كان ممكناً افتقر إلى مؤثر موجود ، فإن كان واجباً فالمطلوب وإن كان ممكناً تسلسل أو دار وقد تقدّم بطلانهما. وهذا برهان قاطع أشير إليه في الكتاب العزيز بقوله : ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١) وهو استدلال لمّي (٢).

__________________

(١) فصّلت : ٥٣.

(٢) الاستدلال اللمّي هو الاستدلال بالعلّة على المعلول ، والإنِّي هو العكس ، فهذا النوع من الاستدلال الوارد في الكتاب ليس منهما ، لأنّ الموضوع فيه هو الوجود المطلق من دون تقييد بالوجوب والإمكان.

نعم الاستدلال بوجوب وجوده على صفاته كما سيأتي من الماتن استدلال لمّي ، بل الاستدلال المذكور هو برهان الصديقين ، وهو وإن قرر بوجوه مختلفة (١) ولكن المذكور أيضاً أحدها ، وقد ذكره الشيخ في الإشارات بالنحو التالي : «كل موجود إذا التفت إليه من حيث ذاته من غير التفات إلى غيره فإمّا أن يكون بحيث يجب له الوجود في نفسه أو لا يكون. فإن وجب فهو الحق بذاته ، الواجب وجوده من ذاته وهو القيّوم ، وإن لم يجب لم يجز أن يقال : إنّه ممتنع بذاته بعد ما فرض موجوداً ، بلى إن قرن باعتبار ذاته شرط ، مثل شرط عدم علته صار ممتنعاً ، أو مثل شرط وجود علته صار واجباً ، وإن لم يقرن بها شرط لا حصول علّة ولا عدمها ، بقي له في ذاته الأمر الثالث وهو الإمكان. فيكون باعتبار ذاته ، الشيء الذي لا يجب ولا يمتنع. فكل موجود إمّا واجب الوجود بذاته أو ممكن الوجود بحسب ذاته» (٢).

__________________

(١) الأسفار : ٦ / ١٤ تعليقة الحكيم السبزواري والعلّامة الطباطبائي ـ قدس‌سرهما.

(٢) شرح الإشارات للمحقق الطوسي قسم المتن : ٣ / ١٨.

۳۰۸۱