والجواب : المنع من إرادة هذا المجاز فإنّ النظر (١) وإن اقترن به حرف

__________________

(١) لما كان النظر عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي لغاية الرؤية وكان النظر بهذا المعنى مستلزماً لكونه سبحانه ذا جهة ، فسّر المستدل النظر بالغاية والمسبَّب ، أعني : أصل الرؤية وأخرج السبب أي تقليب الحدقة عن مفاده ولذلك أسماه معنى مجازياً.

والحق أنّ الآية لا تدل على نظرية الأشاعرة ، إذ أنّ الناظرة وإن كانت تتضمن الرؤية لكن ليس المراد الرؤية بالأبصار بقرينة أنّ الناظرة في الآية هو الوجوه لا العيون. فالآية تخبر عن نظر الوجوه إلى الربّ ، لا عن نظر العيون ، فعندئذ يُصبح نظر العيون كناية عن انتظار الرحمة.

وبعبارة أُخرى : تفسير الآية لا يتوقف على تعيين معنى الناظرة لغة ، وأنّها هل هي بمعنى الرائية ، أو المنتظرة ، بل نحن نفترض أنّها بمعنى الرائية لغة ومستعملة في ذلك المعنى اللغوي قطعاً ولكن يجب أن يحقّق أنّ المراد الاستعمالي هو المراد الجدي أو أنّه كناية عن انتظار الرحمة ، فتعيين أحد الأمرين هو المفتاح لفهم معنى الآية ، فنقول : لا سبيل إلى الأوّل وإلّا كان اللازم إسناد النظر بمعنى الرؤية التي هي المقصود الجدي أيضاً إلى العيون ، لا إلى الوجوه إذ الرؤية الحقيقية لا تتحقّق بالوجوه بل بالأبصار ، والثاني هو المتعين يعني أنّ النظر بمعنى الرؤية كناية عن انتظار الرحمة بشهادة إسناده إلى الوجوه.

وهناك طريق آخر لفهم معنى الآية ، وهو فهمها بالنظر إلى مقابلتها ، فإنّ الآية الثالثة تقابل الآية الأُولى ، كما أنّ الرابعة تقابل الثانية ، وعند المقابلة يرفع إبهام الثانية بالآية الرابعة ، وإليك تنظيم الآيات حسب المقابلة :

أ ـ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ يقابلها قوله : ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (القيامة : ٢٢ و ٢٤).

ب ـ ﴿إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ يقابلها قوله : ﴿تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (القيامة : ٢٣ و ٢٥).

وبما أنّ مقابل الآية الثانية واضح المعنى فيكون قرينة على المراد منها ، فإذا كان المقصود من المقابل أنّ الطائفة العاصية تظن وتتوقع أن ينزل بها عذاب يُكسر فِقَرها ، ويُقصم ظهرها ، يكون المراد من ـ عدله وقرينه ، عكسه وضدّه ، وليس هو إلّا أنّ الطائفة المطيعة تكون مستبشرة برحمته ، ومتوقعة لفضله وكرمه ، لا النظر إلى جماله وذاته وهويته ، وإلّا لخرج المقابلان عن التقابل وهو خلف.

۳۰۸۱