هي دار الثواب ، فدلّ على أنّها مخلوقة الآن في السماء.

احتجّ أبو هاشم بقوله تعالى : ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (١) ، فلو كانت الجنّة مخلوقة الآن لوجب هلاكها ، والتالي باطل لقوله تعالى : ﴿أُكُلُها دائِمٌ (٢).

والجواب : دوام الأكل إشارة إلى دوام المأكول بالنوع بمعنى دوام خلق مثله وأكل الجنّة يفنى بالأكل إلّا أنّه تعالى يخلق مثله ، والهلاك هو الخروج عن الانتفاع ولا ريب أنّ مع فناء المكلفين يخرج الجنّة عن حد الانتفاع فتبقى هالكة بهذا المعنى (٣).

__________________

(١) القصص : ٨٨.

(٢) الرعد : ٣٥.

(٣) أجاب عن الاستدلال بوجهين :

١ ـ أنّ المراد من دوام الأكل هو دوامها بالنوع ، فالهلاك يرجع إلى أشخاص المأكولات ، والدوام يرجع إلى كلّ نوع منها ، فلا مانع من أن تهلك الأشخاص بأمرين : بالأكل تارة ، ونفخ الصور الأوّل ، الذي فيه فناء كل شيء غير وجهِه وذاتِه ، أُخرى.

٢ ـ أنّ فناء كل شيء بحسبه ، والمراد خروجها عن الانتفاع عند فناء المكلفين.

أقول : إنّ الإمعان في الآية يعرب عن أنّ الاستدلال والجواب واقعان في غير محلهما ، وإليك تحليل مفاده:

قال سبحانه : ﴿وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (القصص : ٨٨).

فقوله : ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ تعليل للنهي عن اتخاذ إله غيره سبحانه ، والحكم بالهلاك لا يختص بالآخرة ، بل هو كذلك في جميع الأزمنة حتى زمن نزول الآية ، فغيره سبحانه بما أنّه هالك بالفعل لا يليق أن يتخذ إلهاً ، فكلّ شيء بما أنّه منسوب إلى الواجب له حقيقة ، ومع قطع النظر عنه فهو هالك وباطل ، فلو كان له حقيقة فهي ليست إلّا ما أفاض الله ـ

۳۰۸۱