واعلم أنّ الناس اتفقوا على سقوط العقاب بالتوبة ، واختلفوا : فقالت المعتزلة : إنّه يجب سقوط العقاب بها ، وقالت المرجئة : إنّ الله تعالى يتفضل عليه بإسقاط العقاب لا على جهة الوجوب.

احتجت المعتزلة بوجهين :

الأوّل : أنّه لو لم يجب إسقاط العقاب لم يحسن تكليف العاصي ، والتالي باطل إجماعاً فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : أنّ التكليف إنّما يحسن للتعريض للنفع وبوجود العقاب قطعاً لا يحصل الثواب وبغير التوبة لا يسقط العقاب ، فلا يبقى للعاصي طريق إلى إسقاط العقاب عنه ، ويستحيل اجتماع الثواب والعقاب فيكون التكليف قبيحاً.

__________________

أحدهما : أنّ العاصي كما هو مكلّف بالتوبة مكلف بسائر التكاليف ، فلو افترضنا أنّه كذب وتاب ومع ذلك صلّى وزكّى وحجّ ، فلو لم يسقط عقاب الكذب بالتوبة يلزم اجتماع الثواب والعقاب في زمان واحد وهو محال ، ومن جانبٍ آخر لا مسقطَ للعقاب غير التوبة ، فعلى ضوء ذلك يلزم أن تكون التوبة مسقطة للعقاب حتى لا يجتمع الضدان.

والاستدلال مبني على أنّ مرتكب الكبيرة ومستحق العقاب (كالتائب في المقام على القول بعدم سقوط عقابه بالتوبة) مخلّد في النار ومعه كيف يمكن أن يثاب ، ولكن المبنى باطل لما قلنا بأنّه غير مخلّد فيمكن أن يتوبَ ولا يسقط عقابه فيعاقب فترة فيخرج من النار ويثاب.

ثمّ إنَّ قوله : «وبغير التوبة لا يسقط العقاب» مبني على أنّ الشفاعة بمعنى ترفيع الدرجة لا إسقاط العقاب وإلّا فيبطل الاستدلال.

ثانيهما : ما أشار إليه بقوله : «أنّ من أساء إلى غيره واعتذر إليه بأنواع الاعتذارات ...» ، وأجاب عنه الشارح بوجه لا يحتاج إلى توضيح ، إلّا قوله في الجواب : «لكن نمنع المساواة بين الشاهد والغائب».

۳۰۸۱