إذا عرفت هذا فنقول : يجوز أن يرجّح فاعل القبائح دواعيه إلى الندم (١) على بعض القبائح دون بعض وإن كانت القبائح مشتركة في أنّ الداعي يدعو إلى الندم عليها ، وذلك بأن تقترن ببعض القبائح قرائن زائدة كعظم الذنب ، أو كثرة الزواجر عنه ، أو الشناع عند العقلاء عند فعله ، ولا تقترن هذه القرائن ببعض القبائح فلا يندم عليها ، وهذا دواعي الفعل ، فإنّ الأفعال الكثيرة قد تشترك في الدواعي ثم يؤثر صاحب الدواعي بعض تلك الأفعال على بعض بأن يترجح دواعيه إلى ذلك الفعل بما يقترن به من زيادة الدواعي ، فلا استبعاد في كون قبح الفعل داعياً إلى الندم ثم تقترن ببعض

__________________

(١) قد تعرفت على أنّ أبا هاشم قد ذهب إلى أنّ التوبة لا تصح من قبيح دون قبيح مستدلاً بأنّ التوبة عبارة عن الندم عن المعصية لكونه قبيحاً ، فإذا كان هذا هو الملاك فيجب أن يندم عن كل معصية قبيحة ، والتبعيض آية أنّ الندم عن المعصية ليس لأجل قبحه ، ولكن ذهب أبو علي إلى صحته مستدلاً بأنّه لو لم تصح التوبة من بعض القبائح دون بعض ، لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب (الحسن) عدم صحة الإتيان بواجب دون واجب ، وقد أجاب عنه الولد بما عرفت من التفريق بين المنهيات والواجبات.

لكن المصنّف حاول نقض كلام أبي هاشم بوجه آخر ، وحاصله : أنّ قبح الفعل داع إلى الندم ولكن ربما تقترن ببعض القبائح زيادة الدواعي الأُخر إلى الندم فيترجح لأجلها الداعي إلى الندم على ذلك ، وربّما لا تقترن فلا يترجح الداعي إلى الندم ، فالداعي مطلقاً إلى الترك هو قبح الفعل غير أنّه ربّما يقترن ببعض الدواعي فيؤثر وربما لا يقترن فلا يؤثر ، وبعبارة أُخرى : الندم الإنشائي موجود مطلقاً ولكن بلوغه إلى مرتبة الفعلية يتوقف على انضمام الأُمور الخارجية.

والاختلاف بين البيانين واضح وإن اشتبه الأمر على الفاضل القوشجي فزعم وحدتهما.

ولكن الحق عدم الحاجة إلى كون الندم لأجل قبحه ، بل يكفي الندم لدواع إلهية وإن لم يكن الندم لقبحه كما عرفت.

۳۰۸۱