وأبطل المصنف الأوّل بأن الشفاعة لو كانت في زيادة المنافع لا غير (١) لكنّا شافعين في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) حيث نطلب له من الله تعالى علو الدرجات ، والتالي باطل قطعاً لأن الشافع أعلى من المشفوع فيه فالمقدم مثله.

قال : ونفيُ المطاعِ لا يستلزم نفي المجاب ، وباقي السمعيات متأولةٌ بالكفّار.

أقول : هذا إشارة إلى جواب من استدلّ على أن الشفاعة إنّما هي في زيادة المنافع ، وقد استدلوا بوجوه :

الأوّل : قوله تعالى : ﴿ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (٣) نفى الله تعالى قبول الشفاعة عن الظالم (٤) ، والفاسق ظالم.

والجواب : أنّه تعالى نفى الشفيع المطاع ونحن نقول به لأنّه ليس في

__________________

(١) لا يخفى أنّ الاشكال يرد على من حصرها في زيادة المنافع فقط ، وعلى من عمّمها لها ولإسقاط العذاب ، نعم لا يرد على من فسرها بإسقاط العقاب فقط.

(٢) لا يخفى ضعف الدليل لأنّ كلية الكبرى (كون الشافع أعلى من المشفوع فيه) ممنوعة ، إذ الشافع إنّما يلزم أن يكون أعلى منه إذا شفّع في إسقاط عقابه ، لا إذا دعا الله سبحانه أن يرفع درجته إذ لا يشترط فيه العلو كما لا يخفى.

والدليل الصحيح على بطلان تفسير الشفاعة برفع الدرجة هو أنّ الشفاعة ليست من المفاهيم التي ابتكرها الإسلام بل كانت موجودة في الأُمم السابقة وقد أمضاها الإسلام بحذف ما أُلصق بها من خرافة ، ومن المعلوم أنّ الشفاعة الرائجة بين الأُمم السابقة هو إسقاط العقاب وبالأخص عقيدة اليهود في الشفاعة هي ذاك ، فالإسلام لم يرفضها بتاتاً وإنّما قطع ما أُلصق به من الأباطيل.

(٣) غافر : ١٨.

(٤) التعبير الصحيح أنّ يقال : نفى الله سبحانه أنّ يكون للظالم شفيع.

۳۰۸۱