الوجه الثالث : أنّ كل موجود سواه ممكن ، على ما يأتي في باب الوحدانية ، وكل ممكن فإنّه مستند إلى الواجب إما ابتداءً أو بوسائط على ما تقدم ، وقد سلف أنّ العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول والله تعالى عالم بذاته على ما تقدم فهو عالم بغيره.

قال : والأخيرُ عامٌّ.

أقول : الوجه الأخير من الأدلة الثلاثة الدالة على كونه تعالى عالماً يدل على عمومية علمه بكل معلوم ، وتقريره : أنّ كل موجود سواه ممكن وكل ممكن مستند إليه فيكون عالماً به ، سواء كان جزئياً أو كلياً ، وسواء كان موجوداً قائماً بذاته أو عرضاً قائماً بغيره ، وسواء كان موجوداً في الأعيان أو متعقلاً في الأذهان لأن وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضاً فيستند إليه ، وسواء

__________________

ـ مطلق اقترانهما ، لأنّ الاقتران في العقل نوع من المقارنة وليست المقارنة منحصرة فيه ، ولو توقف إمكان مقارنة المعقولين على مقارنتهما في العقل لزم توقف إمكان الشيء على وجوده وهو كما ترى.

فإذا ثبت أنّ مطلق المقارنة ممكن ، فلو تحقّقت تلك المقارنة وقارن مجرد مجرداً لكان عاقلاً له ، إذ المانع من التعقل هو المادية وهي في المقام منتفية ، كل ذلك بشرط تحقّق المقارنة.

يلاحظ عليه : أنّ البرهان على فرض تماميته يثبت علم المجرد بكل مجرد مقارن ، والمقارنة تحصل إمّا بالحلول أو بالصدور ، والأوّل كالصور المرتسمة في النفس ، والثاني هي نفسها أيضاً على القول بأنّ النفس خلّاق لها.

ولكنّه عقيم بالنسبة إلى علم البارئ للموجودات الإمكانية ، من المجرد إلى الهيولى ، لعدم تجرد الجميع ، والجسمانيات مغمورة في المادة والماديات ، والعلم بصورها غير علمه بذواتها والمقصود علمه بذواتها ولا بد من التماس دليل آخر.

۳۰۸۱