وذكر مقامات العارفين.

وكان أخشن الناس مأكلاً وملبساً ولم يشبع من طعام قط ، قال عبيد الله بن أبي رافع: دخلت عليه يوماً فقدم جراباً مختوماً فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً ، فأكل منه، فقلت : يا أمير المؤمنين كيف تختمه؟ فقال : «خفت هذين الولدين يَلُتّانه بزيت أو سمن» ، وهذا شيء اختص به علي عليه‌السلام لم يشاركه فيه غيره ولم ينل أحد بعض درجته.

وكان نعلاه من ليف ويرقّع قميصه بجلد تارة وبليف أخرى ، وقلّ أن يأتدم فإن فعل فبالملح أو بالخل فإن ترقّى فبنبات الأرض فإن ترقّى فبلبن ، وكان لا يأكل اللحم إلّا قليلا ويقول : «لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان» ، وطلّق الدنيا ثلاثاً.

والمقدمة الثانية ظاهرة.

قال : وأعبدَهم (١).

أقول : هذا وجه سادس ، وتقريره : أن علياً عليه‌السلام كان أعبد الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل واستفادوا منه ترتيب النوافل والدعوات ، وكانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده ، وكان يحافظ على النافلة حتى إنّه بسط له بين الصفين نطع ليلة الهرير فصلّى عليه‌السلام النافلة والسهام تقع بين يديه وإلى جوانبه ، وكانوا يستخرجون النصول من جسده وقت الصلاة لالتفاته بالكلّية إلى الله تعالى حتى لا يبقى له التفات إلى غيره.

__________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٧ ، حلية الأبرار للسيد البحراني : ٢ / ١٧٩ برقم ١٧ ، إرشاد القلوب للديلمي : ٢ / ١١ طبعة بيروت وفي طبعة قم ص ٢١٧.

۳۰۸۱