المعقولية فلأنّ كل معقول فإنّه لا ينفكّ عن الأُمور العامة ، وأما وجوب العاقلية حينئذ فلأنّ إمكان مقارنة المجرد للغير لا يتوقف على الحضور في العقل لأنه نوع من المقارنة فيتوقف إمكان الشيء على ثبوته فعلاً وهو باطل ، وإمكان المقارنة هو إمكان التعقل ، وفي هذا الوجه أبحاث مذكورة في كتبنا العقلية.

__________________

وإليك بيان الأُمور الثلاثة :

أمّا الأوّل ، أعني : كل مجرد يمكن أن يكون معقولاً وحده ، أي بلا وساطة صورة مرتسمة والشاهد عليه قوله : «لأنّ المانع من التعقل إنّما هو المادة لا غير» ومن المعلوم أنّها تمنع عن المعقولية المباشرية أي بلا واسطة ، لا مع الواسطة وإلّا يلزم امتناع حصول العلم بالمادة والماديات وهو كما ترى ، ولعل ما في الأمر الأوّل لا يتجاوز عمّا ثبت في الدعوى الأُولى وهو أنّه سبحانه مجرّد وكلّ مجرّد عالم بذاته.

وأمّا الثاني : أعني كل ما يمكن أن يكون معقولاً وحده أمكن أن يكون معقولاً مع غيره ، فإن كلّ معقول لا ينفك عن الأُمور العامّة كالإمكان والوجود والوحدة وغيرها فانّ كل معقول يصح أن يعقل مع أحد هذه الأُمور.

إلى هنا ثبت معقولية المجرد لنفسه وكونه معقولاً مع كل ما يقارنه.

بقي الكلام في أنّ المجرد عاقل لذلك المقارن ، وهذا هو الذي نبيّنه في الأمر الثالث ، فإنّ إمكان مقارنة معقول مجرد لمجرد ، كاف في الحكم بعلمه به ، وذلك أخذاً بمقتضى التجرّد ، الذي يستلزم عدم العائق والمانع ، ولا يتوقف إمكان الشيء على وقوعه ، فإمكان المقارنة مساوق لوقوع المقارنة ، وحيث إنّه لا مانع من التعقل ينتج أنّه سبحانه عالم بأفعاله التي هي بمنزلة المعقول الثاني.

وإن شئت قلت : إنّه لا شك أنّ كلّ مجرّد عاقل لنفسه فيكون معقولاً ، لأنّ المانع من المعقولية بالذات هو المادة والمفروض عدمها.

وعلى ذلك كما يمكن أن يكون معقولاً وحده ، يمكن أن يكون معقولاً مع الغير أي يصح أن يقارن معقول معقولاً في العقل ، فإذا ثبت إمكان اقترانهما في العقل ثبت ـ

۳۰۸۱