أنّه عليهالسلام أعلم من غيره فيكون أفضل.
أمّا المقدمة الأُولى فيدل عليها وجوه :
الأوّل : أنّه عليهالسلام كان شديد الذكاء في غاية قوة الحدس ، ونشأ في حجر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ملازماً له مستفيداً منه والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أكمل الناس وأفضلهم ، ومع حصول القبول التام والمؤثر الكامل يكون الفعل أقوى وأتم وبالخصوص وقد مارس المعارف الإلهية من صغره ، وقد قيل : إنّ العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، وهذا برهان لمي.
الثاني : أنّ الصحابة كانت تشتبه الأحكام عليهم وربما أفتى بعضهم بالغلط ، وكانوا يراجعونه في ذلك ، ولم ينقل أنّه عليهالسلام راجع أحداً منهم في شيء البتة ، وذلك يدل على أنّه أفضل من الجماعة :
فإنّه نقل عن أبي بكر أن بعض اليهود لقيه فقال له : أين الله تعالى؟ فقال : على العرش ، فقال اليهودي : خلت الأرض منه حيث اختص ببعض الأمكنة! فانصرف اليهودي مستهزئاً بالإسلام ، فلقيه علي عليهالسلام فقال له : «إنّ الله أيّن الأين فلا أين له» إلى آخر الحديث ، فأسلم على يده ، وسئل عن الكلالة والأب فلم يعرف ما يقول حتى أوضح علي عليهالسلام الجواب.
وسئل عمر عن أحكام كثيرة فحكم فيها بضد الصواب ، فراجعه فيها علي عليهالسلام فرجع إلى قوله ، كما نقل عنه من إسقاط حد الشرب عن قدامة لمّا تليَ عليه قوله تعالى : ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا﴾ (١) فقال علي عليهالسلام : «الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلّون محرّماً» ، وأمره بردّه واستتابته فإن تاب فاجلده وإلّا فاقتله ، فتاب ولم يدر عمر كم يحدّه ، فأمره عليهالسلام بحدّه ثمانين.
__________________
(١) المائدة : ٩٣.