وعندي أن المراد بذلك إن كان عدم تكليفهم مطلقاً سواء بلغتهم بعد ذلك الدعوة أم لا فهو باطل قطعاً لما بينا من عموم نبوّته عليه‌السلام.

وإن كان المراد أنّهم غير مكلفين ما داموا غير عالمين فإذا بلغتهم الدعوة صاروا مكلفين بها فهو حق.

قال : وهو أفضلُ من الملائكة ، وكذا غيره من الأنبياء عليهم‌السلام ، لوجود المضادِّ للقوة العقلية وقهره على الانقياد عليها (١).

أقول : اختلف الناس هنا ، فذهب أكثر المسلمين إلى أن الأنبياء عليهم‌السلام أفضل من الملائكة عليهم‌السلام.

وذهب آخرون منهم وجماعة الأوائل إلى أن الملائكة أفضل. واستدلّ الأوّلون بوجوه ذكر المصنف رحمه‌الله ، منها وجهاً للاكتفاء به ، وهو أنّ الأنبياء قد وجد فيهم القوة الشهوية والغضبية وسائر القوى الجسمانية كالخيالية والوهمية وغيرهما ، وأكثر أحكام هذه القوى تضادّ حكم القوة العقلية وتمانعها ، حتى إنّ أكثر الناس يلتجئ إلى قوة الشهوة والغضب والوهم ويترك مقتضى القوة العقلية والأنبياء عليهم‌السلام يقهرون قوى طبائعهم ويفعلون بحسب مقتضى قواهم العقلية ويعرضون عن القوى الشهوانية وغيرها من القوى الجسمانية ، فتكون عباداتهم وأفعالهم أشق من عبادات الملائكة حيث خلوا عن هذه القوى ، وإذا كانت عباداتهم أشق كانوا أفضل لقوله عليه‌السلام : «أفضل الأعمال أحمزها».

وهاهنا وجوه أُخرى من الطرفين ذكرناها في كتاب نهاية المرام.

__________________

(١) تلخيص المحصل : ٣٧٤ ـ ٣٧٧ ، أنوار الملكوت : ١٨٧ ـ ١٨٨.

۳۰۸۱