مالك ولا يقال إن الأشياء رزق له تعالى ، والولد والعلم رزق لنا وليسا ملكاً لنا ، فحينئذ الأرزاق كلها من قبله تعالى لأنّه خالق جميع ما ينتفع به وهو المتمكِّن من الانتفاع والتوصل إلى اكتساب الرزق وهو الذي يجعل العبد أخص بالانتفاع به بعد الحيازة أو غيرها من الأسباب الموصلة إليه ويحظر على غيره منعه من الانتفاع وهو خالق الشهوة التي بها يتمكن من الانتفاع.

قال : والسعيُ في تحصيله قد يجب ويستحب ويباح ويحرم.

أقول : ذهب جمهور العقلاء إلى أن طلب الرزق سائغ (١) وخالف فيه بعض الصوفية ، لاختلاط الحرام بالحلال بحيث لا يتميز ، وما هذا سبيله يجب الصدقة به فيجب على الغني دفع ما في يده إلى الفقير بحيث يصير فقيراً ليحل له أخذ الأموال الممتزجة بالحرام ، ولأنّ في ذلك مساعدة للظالمين بأخذ العشور والخراجات ومساعدة الظالم محرمة.

والحق ما قلناه ، ويدلّ عليه المعقول والمنقول :

أمّا المعقول فلأنّه دافع للضرر فيكون واجباً.

وأمّا المنقول فقوله تعالى : ﴿وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ (٢) إلى غيرها من الآيات ، وقوله عليه‌السلام : «سافروا تغنموا» (٣) أمر بالسفر لأجل الغنيمة.

والجواب عن الأوّل : بالمنع من عدم التميز ، إذ الشارع ميّز الحلال من

__________________

(١) دلت الآيات والروايات على كونه جائزاً ، والشاك في جوازه خارج عن الفطرة الإنسانية ، وما نسب إلى الصوفية غير واضح ، وقد روى المفسرون في تفسير قوله سبحانه : ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (الذاريات : ٥٨) ما يشبه تلك النظرية ، وملاك التقسيم جاء في آخر كلام الشارح ، وهو أنّ الحاجة ملاك الوجوب ، وطلب التوسعة مناط الاستحباب ، والغنى عن التوسعة ملاك الإباحة ، والمانع عن القيام بالواجب ملاك الحرمة ولم يذكر المكروه ، وهو متصوّر باعتبار أسباب الكسب المكروه.

(٢) الجمعة : ١٠.

(٣) البحار : ٧٣ / ٢٢١.

۳۰۸۱