إمكان عدم الميل ولم يجعل له عقلاً يميز به حسن الألم من قبحه ولم يزجره بشيء من أسباب الزجر مع إمكان ذلك كله ، فكان ذلك بمنزلة الإغراء ، فلولا تكفله تعالى بالعوض لقبح منه ذلك.

واحتج الآخرون (١) : بقوله عليه‌السلام : إنّ الله تعالى ينتصف للجمّاء من القرناء.

واحتج النافون للعوض : بقوله عليه‌السلام : جرح العجماء جُبار.

واحتج القاضي بأنّ التمكين (٢) لا يقتضي انتقال العوض من الفاعل إلى الممكّن وإلّا لوجب عوض القتل على صانع السيف ، بخلاف الإلجاء

__________________

(١) المقصود هو القول الثاني الذي أشار إليه بقوله : «إنّ العوض على فاعل الألم» ، مستدلّا بأنّه سبحانه ينتصف للجمّاء (ضد القرناء) من القرناء ، ولا يخفى أنّه لو صح الحديث يكون معناه أنّه ينتقم الله لها من القرناء ، لا أنّ العوض على فاعل الألم وأنّه سبحانه ينقل أعواض القرناء إليها كما هو المدعى.

والمراد من القول الثالث عدم العوض مطلقاً مستدلاً بما روى : «جرح العجماء جبار» (١) ، وقد استدل بها الفقهاء على عدم الضمان لصاحبها ، وأين هو من الدلالة على كون العوض على الحيوان أو على خالقه؟

(٢) لا يخفى أنّ ما ذكره القاضي من الفرق بين التمكين والإلجاء وإن كان متيناً ، لكن القسم الأوّل منتف في الحيوان الذي هو المحور للبحث ، فإنّ الافتراس أمر غريزيّ للسبع مطلقاً بلا استثناء.

وأمّا قوله : «بأنّ العوض لو كان عليه تعالى لما حسن منعها عن الأكل» فمعناه : إذا كان العوض على الله فلما ذا نمنع السباع عن أكل الإنسان بعد افتراسه ، فإنّ مقتضى المعاوضة فسح المجال لها ولو في هذا الحد ، وأجاب الشارح بأنّ هنا وجهاً للمنع وهو التحفظ على كرامة الإنسان ولو بأجزائه المتفككة.

__________________

(١) أحمد بن حنبل : المسند : ٥ / ٣٢٦ والجبار هو الهدر الذي لا يغرم.

۳۰۸۱