يستلزم إمّا قدم العالم وقد فرضناه حادثاً ، أو حدوث المؤثر ويلزم التسلسل ، فظهر أنّ المؤثر للعالم قادر مختار.

قال : والواسطةُ غير معقولةٍ.

أقول : لما فرغ من الاستدلال على مطلوبه شرع في أنواع من الاعتراضات للخصم مع وجه المخلص منها.

وتقرير هذا السؤال أن يقال : دليلكم يدل على أنّ مؤثر العالم مختار وليس يدل على أنّ الواجب مختار بل جاز أن يكون الواجب تعالى موجِباً لذاته معلولاً ، يؤثر في العالم على سبيل الاختيار (١).

وتقرير الجواب : أنّ هذه الواسطة غير معقولة ، لأنّا قد بيّنا حدوث العالم بجملته وأجزائه ، والمعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى ، وثبوت واسطة بين ذات الله تعالى وبين ما سواه غير معقول.

__________________

(١) هذه الشبهة وما يليها من الحكماء الذين يتراءى من كلماتهم أنّه سبحانه فاعل موجَب (بالفتح) لا مختار.

ونجلّ الحكماء الإماميين عن هذه التهمة.

حاصل الشبهة : أنّه من المحتمل أنّه سبحانه يكون فاعلاً موجَباً ومع ذلك يكون العالم حادثاً متأخراً عنه ، وذلك بأن يخلق عن إيجاب موجوداً مختاراً بالذات يقوم هو بخلق العالم ، فيكون العالم حادثاً ، لأنّ علته فاعل مختار ، ومع ذلك يكون الواجب فاعلاً موجَباً بالنسبة إلى الصادر الأوّل.

فقوله : «موجِباً» بالكسر بمعنى موجداً لذاته ، معلولاً يؤثر في العالم على سبيل الاختيار ، فقوله : «معلولاً» مفعول لقوله «موجِباً» بمعنى موجداً ، وبذلك تستغني عما في بعض النسخ من إضافة قوله : «وله معلول يؤثر» بعد قوله : «موجباً لذاته» ، وعلى هذه النسخ يكون موجباً (بالفتح) ولا يتم الكلام إلّا بإضافة قوله : «وله ...» كما لا يخفى.

۳۰۸۱