أقول : في هذا الكلام مباحث :
الأوّل : في مناسبة هذا البحث وما بعده لما قبله.
اعلم أنّا قد بيّنا وجوب الألطاف والمصالح ، وهي ضربان : مصالح في الدين ، ومصالح في الدنيا ، أعني المنافع الدنياوية ، ومصالح الدين إمّا مضارّ أو منافع ؛ والمضارّ منها آلام وأمراض وغيرها كالآجال والغلاء ، والمنافع الصحة والسعة في الرزق والرخص ، فلأجل هذا بحث المصنف رحمهالله عقيب
__________________
٤ ـ ما كان على وفق سنّة الله سبحانه ، كإحراق النار لمن أُلقي فيها ظلماً أو غير ظلم ، فإنّ إحراق النار وإن كان بالنسبة إلى الملقى فيها شراً لكن الإحراق بما هو لا قبح فيه فإنّها سنّة قام عليها صرح الحياة الانسانية. نعم في إمكانه سبحانه سلب الأثر عنها في هذه الموارد ، ولكن الاستثناء في السنن (في غير مورد الإعجاز والكرامة) مستلزم للإلجاء في الإيمان ، وانتفاء الاختيار والاختبار ، وذلك لأنّ سلب الأثر عن النار عند إحراق المؤمن ليقف عند حدّ بل يستلزم سلب الأثر عن السيف عند وروده على رأس المظلوم وهكذا ... ، ولازم ذلك خروج الحياة الدنيوية عن كونها دنيوية ، لأنّ معناها كون الحياة مبنية على السنن الطبيعية وهو خلاف المفروض ، وبالجملة : افتراض كون العالم ماديّاً يلازم سيادة القوانين المادية عليها ، إلّا إذا اقتضت المصلحة العامة خلافها كما في مورد الاعجاز.
وهناك من يقول ليس للألم إلّا قسم واحد ، وهو الألم لغاية استحقاق المولم ، وقالت به طائفتان :
التناسخية : وهم الذين يقولون لا دار إلّا هذه الدنيا وأنّ الإنسان بعد الموت يرجع إلى هذه الدار ويرى جزاء عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وأنّ أصحاب العاهات والزمنى والفقراء هم الذين عاشوا في هذه الدنيا في دورة متقدمة ، ظالمة ، فرجعوا إلى الدنيا في هذه الدورة ليروا جزاء أعمالهم.
البكرية : أصحاب بكر بن زياد الذي كان معاصراً لواصل بن عطاء (٨٠ ـ ١٣٠ ه) وصفوان بن الجهم ت ١٢٨ ه.