والدليل على أنّه تعالى قادر أنّا قد بيّنا أنّ العالم حادث ، فالمؤثر فيه إن كان موجَباً لزم حدوثه أو قدم ما فرضناه حادثاً أعني العالم ، والتالي بقسميه باطل ، بيان الملازمة : أنّ المؤثّر الموجَب يستحيل تخلف أثره عنه ، وذلك

__________________

لأنّه في حد ذاته ممكن بلا كلام وإنّما هو قائم بالقادر ، فلو أُريد منه : الإمكان الماهوي لزم اتصافه سبحانه بالماهية وهو أرفع من أن يكون له ماهية ، وإن أُريد : الإمكان الاستعدادي لزم أن يكون ذاته محلاً للتغير لوجود الإمكان الاستعدادي.

وقد ذكرنا في الإلهيات (١) ما يصلح جواباً للإشكال.

ويمكن أن يقال عاجلاً : ليس المراد منه أحد الإمكانين بل المراد هو المعنى الثالث ، وهو الإمكان الصدوري ، ويعلم مفاده إذا قيس الأثر إلى مؤثره ، فلا يخلو أنَّ نسبته إليه إمّا بالإيجاب ، أو بالامتناع ، أو لا هذا ولا ذاك ، والحاصل أنّ الفاعل إذا كان مقيّداً بإحدى النسبتين ، لا يسمّى قادراً بالنسبة إلى الفعل والترك ، والقادر هو المتجرد عن النسبتين ، وتفسير القدرة به لا يستلزم المحذورين المتقدمين.

وعرفها الحكماء بأنّ قدرته تعالى هي كونه إذا شاء فعل ولو لم يشأ لم يفعل (٢) ، ولو اقتصر في تعريف القدرة بهذا القدر لم يتوجه إشكال ، فيكون معناه : إنّ القادر هو غير المجبور على أحد الطرفين ، لكن ربّما يضاف إليه ويقال : «ولكنه شاء وفعل» ، فتجعل الشرطية الأُولى واجبة التحقّق أزلاً وأبداً ، وهذا يعطي كونه فاعلاً موجَباً ، خصوصاً إذا قلنا : إنّ مشيئته وإرادته قديمة ، فيُصبح عدم العالم أمراً ممتنعاً ، بل واجب التحقّق بالقياس إلى مشيئته القديمة ، وهذا هو الذي جرّ المتكلّمين لاتهام الحكماء بأنّه سبحانه عندهم فاعل موجَب (بالفتح) ، والحكماء وإن كانوا محترزين عن وصف الله سبحانه بكونه فاعلاً موجَباً ، بل يقولون : إنّه فاعل موجِب (بالكسر) فهو يعطي للفعل وصف الوجوب ، لكن بالنظر إلى قولهم : «ولكنه شاء وفعل» وقولهم بالمشيئة القديمة والإرادة الذاتية يكون سبحانه فاعلاً موجَباً أي غير مختار.

هذا ما يرجع إلى بيان موقف المسألة بين المتكلّمين والحكماء ، وأمّا الدفاع عن أحد المنهجين فهو خارج عن وضع التعليقة ، وقد استدل الماتن على قدرته (اختياره) بحدوث العالم زماناً أو ذاتاً ، على وجه يكون هناك انفكاك بين الذات والعالم ، وهو دليل الاختيار.

__________________

(١) الإلهيات : ١ / ١٣٤.

(٢) الحكيم السبزواري : شرح المنظومة : ١٧٢.

۳۰۸۱