والتعاون ، لأن الأغذية والملبوسات أُمور صناعية يحتاج كل منهم إلى صاحبه في عمل يستعيضه عن عمله له حتى يتمّ كمال ما يحتاج إليه ، واجتماعهم مع تباين شهواتهم وتغاير أمزجتهم واختلاف قواهم المقتضية للأفعال الصادرة عنهم مظنة التنازع والفساد ووقوع الفتن ، فوجب وضع قانون وسنّة عادلة يتعادلون بها فيما بينهم.

ثمّ تلك السنّة لو استند وضعها إليهم لزم المحذور ، فوجب استنادها إلى شخص متميز عنهم بكمال قواه واستحقاقه للانقياد إليه والطاعة له ، وذلك إنما يكون بمعجزات تدل على أنّها من عند الله تعالى.

ثمّ من المعلوم تفاوت أشخاص الناس في قبول الخير والشر والرذائل والنقصان والفضائل بحسب اختلاف أمزجتهم وهيئات نفوسهم ، فوجب أن يكون هذا الشارع مؤيَّداً لا يعجز عن إحكام شريعته في جمهور الناس بعضهم بالبرهان وبعضهم بالوعظ وبعضهم بتأليف القلب وبعضهم بالزجر والقتال.

ولما كان النبي لا يتفق في كل زمان وجب أن تبقى السنن المشروعة إلى وقت اضمحلالها واقتضاء الحكمة الإلهية تجديد غيرها ، ففرضت عليهم العبادات المذكرة لصاحب الشرع وكررت عليهم حتى يستحكم التذكير بالتكرير ، فيحصل لهم من تلقي الأوامر والنواهي الالهية منافع ثلاث :

إحداها : رياضة النفس باعتبار الإمساك عن الشهوات ومنعها عن القوة الغضبية المكدرة لصفاء القوة العقلية.

الثانية : تعويد النفس النظر في الأُمور الإلهية والمطالب العالية وأحوال المعاد والتفكر في ملكوت الله تعالى وكيفية صفاته وأسمائه وتحقق فيضان الموجودات عنه تعالى متسلسلة في الترتيب الذي اقتضته الحكمة الإلهية

۳۰۸۱