وقد أشرنا سابقاً (١) إلى هذا الاستشكال وعلّقنا عليه بما يوحي بإجراء استصحاب المجعول على النحو الأول ، غير أنّ هذا كان تعليقاً موقّتاً إلى أن يحين الوقت المناسب.

وأمّا الصحيح في الجواب فهو : أنّ المجعول الكلّي ـ وهو نجاسة الماء المتغيّر مثلاً ـ يمكن أن ينظر اليه بنظرين : أحدهما النظر اليه بما هو أمر ذهنيّ مجعول في افق الاعتبار ، والآخر النظر اليه بما هو صفة للماء الخارجي ، فهو بالحمل الشائع أمر ذهني ، وبالحمل الأوّلي صفة للماء الخارجي. وبالنظر الأول ليس له حدوث وبقاء ؛ لأنّه موجود بتمام حصصه بالجعل في آنٍ واحد ، وبالنظر الثاني له حدوث وبقاء. وحيث إنّ هذا النظر هو النظر العرفي في مقام تطبيق دليل الاستصحاب فيجري استصحاب المجعول بالنحو الثاني لتمامية أركانه.

اذا اتّضح ذلك فنقول لشبهة المعارضة بأ نّه في تطبيق دليل الاستصحاب على الحكم الكلّي في الشبهة الحكمية لا يعقل تحكيم كلا النظرين ؛ لتهافتهما ، فإن سلّم بالأخذ بالنظر الثاني تعيّن إجراء استصحاب المجعول ، ولم يجرِ استصحاب عدم الجعل الزائد ، إذ بهذا النظر لا نرى جعلاً ومجعولاً ولا أمراً ذهنياً ، بل صفةً لأمرٍ خارجيٍّ لها حدوث وبقاء.

وإن ادّعي الأخذ بالنظر الأول فاستصحاب المجعول بالنحو الثاني الذي يكون من شأن المجتهد إجراؤه لا يجري في نفسه ، لا أنّه يسقط بالمعارضة.

إن قيل : لماذا لا نحكِّم كلا النظرين ونلتزم بإجراء استصحاب عدم الجعل الزائد تحكيماً للنظر الأول في تطبيق دليل الاستصحاب ، وإجراء استصحاب

__________________

(١) تحت عنوان : الشبهات الحكميّة في ضوء الركن الثاني.

۶۰۸۷