عقلاً موافقة التكليف المحتمل في كلّ طرفٍ باعتبار تنجّزه ، لا باعتبار وجوب الموافقة القطعية للعلم الإجمالي بعنوانها.

والتحقيق : أنّ المقصود بتعارض الاصول المؤمِّنة في الفقرة الثالثة : إن كان تعارض الاصول بما فيها قاعدة قبح العقاب بلا بيانٍ ـ على أساس أنّ جريانها في كلٍّ من الطرفين غير ممكنٍ وفي أحدهما خاصّةً ترجيح بلا مرجّحٍ ـ فهذا غير صحيح ؛ لأنّ هذه القاعدة نجريها ابتداءً فيما زاد على الجامع.

وبعبارةٍ اخرى : أنّنا عندما نعلم إجمالاً بوجوب الظهر أو وجوب الجمعة يكون كلّ من الوجوبين بما هو وجوب لهذا الفعل أو لذاك بالخصوص مورداً للبراءة العقلية ، وبما هو وجوب مضاف الى الجامع خارجاً عن مورد البراءة فيتنجَّز الوجوب بمقدار إضافته الى الجامع ؛ لأنّ هذا هو المقدار الذي تمّ عليه البيان ، ويؤمَّن عنه بما هو مضاف الى الفرد. وهذا التبعيض في تطبيق البراءة العقلية معقول وصحيح ، بينما لا يطَّرد في البراءة الشرعية ؛ لأنّها مفاد دليلٍ لفظيٍّ وتابعة لمقدار ظهوره العرفي ، وظهوره العرفي لا يساعد على ذلك.

وإن كان المقصود التعارض بين الاصول المؤمِّنة الشرعية خاصّةً فهو صحيح ، ولكن كيف يُرتَّب على ذلك تنجّز التكليف بالاحتمال مع أنّ الاحتمال مؤمَّن عنه بالبراءة العقلية على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان؟!

وصفوة القول : أنّه على هذا المسلك لا موجب لافتراض التعارض في البراءة العقلية ، بل لا معنى لذلك ، إذ لا يعقل التعارض بين حكمين عقليّين ، فإن كان ملاك حكم العقل ـ وهو عدم البيان ـ تامّاً في كلٍّ من الطرفين استحال التصادم بين البراءتين ، وإلاّ لم تجرِ البراءة ؛ لعدم المقتضي ، لا للتعارض.

وهكذا يتّضح أنّه على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيانٍ لا يمكن تبرير وجوب الموافقة القطعية للعلم الإجمالي ، وهذا بنفسه من المنبِّهات إلى بطلان

۶۰۸۷