الدليل عليه ، فلا تنفع في معارضة أدلّة وجوب الاحتياط. وإن كانت البراءة بمعنى نفي الكلفة في مورد التكليف غير المأتيِّ فهي تنفي وجوب الاحتياط وتعارض مع ما يُدّعى من أدلّته. والظاهر هو الحمل على المورديّة ، لا السببيّة ؛ لأنّ هذا هو المناسب بلحاظ الفعل والمال أيضاً ، فالاستدلال بالآية جيّد.

وبالنسبة إلى مدى الشمول فيها لا شكّ في شمولها للشبهات الوجوبية والتحريمية معاً ، بل للشبهات الحكمية والموضوعية معاً ؛ لأنّ الإيتاء ليس بمعنى إيتاء الشارع بما هو شارع ليختصّ بالشبهات الحكمية ، بل بمعنى الإيتاء التكويني ؛ لأنّه المناسب للمال وللفعل.

كما أنّ الظاهر عدم الإطلاق في الآية لحالة عدم الفحص ؛ لأنّ إيتاء التكليف تكفي فيه عرفاً مرتبة من الوصول ، وهي الوصول إلى مظانّ العثور بالفحص.

ومنها : قوله سبحانه وتعالى : ﴿وَمَا كُنّا مُعذِّبينَ حتّى نَبْعَثَ رسولاً (١).

وتقريب الاستدلال واضح بعد حمل كلمة «رسول» على المثال للبيان.

وقد يعترض على ذلك تارةً : بأنّ الآية الكريمة إنّما تنفي العقاب لا استحقاقه ، وهذا لا ينافي تنجّز التكليف المشكوك ، إذ لعلّه من باب العفو.

واخرى بأنّها ناظرة إلى العقاب الربّاني في الدنيا للُامم السالفة ، وهذا غير محلّ البحث.

والجواب على الأول : أنّ ظاهر النفي في الآية أنّه هو الطريقة العامة للشارع التي لا يناسبه غيرها ، كما يظهر من مراجعة أمثال هذا التركيب عرفاً ، وهذا معناه عدم الاستحقاق.

__________________

(١) الإسراء : ١٥.

۶۰۸۷