الأداة في المثال مستعملةً في التسعين أو في تسعةٍ وثمانين ؛ لأنّ كلاًّ منهما مجاز ، وأيّ فرقٍ بين مجازٍ ومجاز؟

وقد أجاب على ذلك جملة من المحقّقين ، كصاحب الكفاية (١) رحمه‌الله : بأنّ المخصِّص المنفصل لا يكشف عن مخالفة المتكلِّم لظهور حاله في استعمال الأداة في معناها الحقيقي ، وإنّما يكشف فقط عن عدم تعلّق إرادته الجدّية بإكرام الأفراد الذين تناولهم المخصّص ، فبالإمكان الحفاظ على هذا الظهور ، وهو ما كنّا نسمّيه بالظهور التصديقي الأول فيما تقدم (٢) ، ونتصرّف في الظهور التصديقي الثاني ، وهو ظهور حال المتكلّم في أنّ كلّ ما قاله وأبرزه باللفظ مراد له جدّاً ، فإنّ هذا الظهور لو خلِّي وطبعه يثبت أنّ كلّ ما يدخل في نطاق المعنى المستعمل فيه فهو مراد جدّاً. غير أنّ المخصّص يكشف عن أنّ بعض الأفراد ليسوا كذلك ، فكلّ فردٍ كشف المخصّص عن عدم شمول الإرادة الجدّية له نرفع اليد عن الظهور التصديقي الثاني بالنسبة إليه ، وكلّ فردٍ لم يكشف المخصّص عن ذلك فيه نتمسّك بالظهور التصديقي الثاني لإثبات حكم العام له.

وفي بادئ الأمر قد يخطر في ذهن الملاحظ أنّ هذا الجواب ليس صحيحاً ؛ لأ نّه لم يصنع شيئاً سوى أنّه نقل التبعيض في الحجّية من مرحلة الظهور التصديقي الأول إلى مرحلة الظهور التصديقي الثاني. فاذا كان الظهور التضمّني غير تابعٍ للظهور الاستقلالي في الحجّية فلماذا لا نعمل على التبعيض في مرحلة الظهور التصديقي الأول؟ وإذا كان تابعاً له كذلك فكيف نعمله في مرحلة الظهور التصديقي الثاني ونلتزم بحجّية بعض متضمّناته دون بعض؟

وردُّنا على هذه الملاحظة : أنّ فذلكة الجواب ونكتة نقل التبعيض من

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٥٦.

(٢) الحلقة الثانية ، تحديد دلالات الدليل الشرعي اللفظي ، التطابق بين الدلالات.

۶۰۸۷