ومنها أنه تقدم أن كل معقول فهو مجرد ، كما أن كل عاقل فهو مجرد ، فليعلم أن هذه المفاهيم الظاهرة للقوة العاقلة ، التي تكتسب بحصولها لها الفعلية ، حيث كانت مجردة ، فهي أقوى وجودا من النفس العاقلة ، التي تستكمل بها وآثارها مترتبة عليها ، فهي في الحقيقة موجودات مجردة ، تظهر بوجوداتها الخارجية للنفس العالمة ، فتتحد النفس بها إن كانت صور جواهر ، وبموضوعاتها المتصفة بها إن كانت أعراضا ، لكنا لاتصالنا من طريق أدوات الإدراك بالمواد ، نتوهم أنها نفس الصور القائمة بالمواد ، نزعناها من المواد من دون آثارها ، المترتبة عليها في نشأة المادة ، فصارت وجودات ذهنية للأشياء ، لا يترتب عليها آثارها.

فقد تبين بهذا البيان ، أن العلوم الحصولية في الحقيقة علوم حضورية.

وبان أيضا أن العقول المجردة عن المادة ، لا علم حصوليا عندها ، لانقطاعها عن المادة ذاتا وفعلا.

الفصل الحادي عشر

كل مجرد فهو عاقل

لأن المجرد تام ذاتا لا تعلق له بالقوة ، فذاته التامة حاضرة لذاته موجودة لها ، ولا نعني بالعلم إلا حضور شيء لشيء ، بالمعنى الذي تقدم (١) ، هذا في علمه بنفسه وأما علمه بغيره ، فإن له لتمام ذاته ، إمكان أن يعقل كل ذات تام يمكن أن يعقل ، وما للموجود المجرد بالإمكان فهو له بالفعل ، فهو عاقل بالفعل لكل مجرد تام الوجود ، كما أن كل مجرد فهو معقول بالفعل وعقل بالفعل.

__________________

(١) في الفصل الأول.

۱۸۴۱