ومن العلم علم الواحد منا بذاته ، التي يشير إليها بأنا ، فإنه لا يغفل عن نفسه في حال من الأحوال ، سواء في ذلك الخلاء والملاء ، والنوم واليقظة وأية حال أخرى.

وليس ذلك بحضور ماهية ذاتنا ، عندنا حضورا مفهوميا وعلما حصوليا ، لأن المفهوم الحاضر في الذهن ، كيفما فرض لا يأبى الصدق على كثيرين ، وإنما يتشخص بالوجود الخارجي ، وهذا الذي نشاهده من أنفسنا ونعبر عنه بأنا ، أمر شخصي لذاته لا يقبل الشركة ، والتشخص شأن الوجود ، فعلمنا بذواتنا إنما هو بحضورها لنا بوجودها الخارجي ، الذي هو ، ملاك الشخصية وترتب الآثار ، وهذا قسم آخر من العلم ، ويسمى العلم الحضوري.

وهذان قسمان ينقسم إليهما العلم قسمة حاصرة ، فإن حصول المعلوم للعالم ، إما بماهيته أو بوجوده ، والأول هو العلم الحصولي ، والثاني هو العلم الحضوري.

ثم إن كون العلم حاصلا لنا ، معناه حصول المعلوم لنا ، لأن العلم عين المعلوم بالذات ، إذ لا نعني بالعلم إلا حصول المعلوم لنا ، وحصول الشيء وحضوره ليس إلا وجوده ، ووجوده نفسه.

ولا معنى لحصول المعلوم للعالم ، إلا اتحاد العالم معه ، سواء كان معلوما حضوريا أو حصوليا ، فإن المعلوم الحضوري ، إن كان جوهرا قائما بنفسه كان وجوده لنفسه ، وهو مع ذلك للعالم ، فقد اتحد العالم مع نفسه ، وإن كان أمرا وجوده لموضوعه ، والمفروض أن وجوده للعالم ، فقد اتحد العالم مع موضوعه ، والعرض أيضا ، من مراتب وجود موضوعه غير خارج منه ، فكذلك مع ما اتحد مع موضوعه ، وكذا المعلوم الحصولي موجود للعالم ، سواء كان جوهرا موجودا لنفسه ، أو أمرا موجودا لغيره ، ولازم كونه موجودا للعالم اتحاد العالم معه.

على أنه سيجيء ، أن العلم الحصولي علم حضوري في الحقيقة.

۱۸۴۱