أولا فالأوّل واجب أن تعلّق بتركه ذمّ وإلّا فمندوب ، والثانى مكروه إن تعلّق بتركه مدح وإلّا فمباح فافعال الله تعالى مطلقا والواجب والمندوب من أفعال العباد داخلة فى الحسن اتّفاقا وكذا المكروه والمباح على قول الأكثرين. وربما يقال إن تعلّق بفعله مدح فهو حسن كالواجب والمندوب ، وإن تعلق بفعله ذم فهو قبيح كالحرام ، وما لا يتعلق بفعله مدح ولا ذمّ كالمكروه والمباح خارج عنهما. وأمّا فعل النّائم والسّاهى وأفعال البهائم فلا يوصف بالحسن والقبح بالاتّفاق ، وفى افعال الصّبيان خلاف كذا فى شرح المواقف. ومن هاهنا تبيّن أنّ ما زعمه الأشاعرة انّه لا معنى لوجوب الشيء على الله تعالى توهّم فاسد للقطع باستحقاق ترك بعض الأفعال عند العقل الذّم سواء صدر من الله او من غيره.

ثمّ اختلف فى أنّ الحسن والقبح بالمعنيين المذكورين شرعيّان أو عقليّان ، فذهب المعتزلة إلى أنّهما عقليّان بمعنى أنّ الحاكم بهما العقل والفعل حسن أو قبيح فى نفسه إمّا لذاته أو لصفة حقيقيّة لازمة له أو لوجوده واعتبارات فيه على اختلاف فيما بينهم ، والشّرع كاشف ومبيّن للحسن والقبح الثّابتين له على احد الأنحاء الثّلاثة ، وليس له أن يعكس القضيّة بأنّ يحسّن ما قبّحه العقل ويقبّح ما حسّنه. نعم قد يبدل الجهة المحسّنة أو المقبّحة بحسب تبدّل الأشخاص والأوقات ويكشف الشّرع عن ذلك التبدّل كما فى صوره النّسخ. وقالت الأشاعرة لا حكم للعقل فى حسن الأشياء وقبحها بل الشّرع هو المثبت والمبيّن لهما فلا حسن ولا قبح قبل ورود الشّرع ، وله أن يعكس القضيّة فيصير الحسن قبيحا والقبيح حسنا كما فى النّسخ.

وللحسن والقبح معنيان آخران لا نزاع فى كونهما عقليّين : أحدهما كون الصّفة صفة الكمال وكون الصفة صفة النّقصان ، كما يقال العلم حسن أى صفة الكمال والجهل قبيح أى صفة النقصان. وثانيهما ملائمة الغرض ومنافرته ، يقال هذا حسن أى موافق للغرض وذاك قبيح أى مخالف له.

والمختار عند أهل الحق مذهب المعتزلة لقولهم ولهم فى إثبات ذلك وجوه كثيرة اشار المصنّف إلى اثنين منها. احدهما أنّه لو كان الحسن والقبح شرعيّين لما حكم العقل بهما مع

۲۹۲