متواتر عنهم.

وقد ذكر الغزاليّ في كتابه «المستصفى» (١) كثيرا من مواضع اجتهادات الصحابة برأيهم ، ولكن لم يستطع أن يثبت أنّها على نحو القياس ، إلاّ لأنّه لم ير وجها لتصحيحها إلاّ بالقياس ، وتعليل النصّ. وليس هو منه إلاّ من باب حسن الظنّ ، لا أكثر. وأكثرها لا يصحّ تطبيقها على القياس.

وعلى كلّ حال ، فالشأن كلّ الشأن في تحقّق إجماع الأمّة ، والصحابة على الأخذ بالقياس ، ونحن نمنعه أشدّ المنع.

أمّا أوّلا : فلما قلناه قريبا : إنّه لم يثبت أنّ اجتهاداتهم كانت من نوع القياس ، بل في بعضها ثبت عكس ذلك ، كاجتهادات عمر بن الخطّاب المتقدّمة ، ومثلها اجتهاد عثمان في حرق المصاحف ، ونحو ذلك.

وأمّا ثانيا : فإنّ استعمال بعضهم للرأي ـ سواء كان مبنيّا على القياس أو على غيره ـ لا يكشف عن موافقة الجميع ، كما قال ابن حزم ـ فأنصف ـ : «أين وجدتم هذا الإجماع؟ وقد علمتم أنّ الصحابة ألوف لا تحفظ الفتيا عنهم في أشخاص المسائل إلاّ عن مائة ونيّف وثلاثين نفسا : منهم : سبعة مكثرون ، وثلاثة عشر نفسا متوسّطون ، والباقون مقلّون جدّا ، تروى عنهم المسألة والمسألتان ، حاشا المسائل التي تيقّن إجماعهم عليها ، كالصلوات ، وصوم رمضان. (٢) ، فأين الإجماع على القول بالرأي؟». (٣)

والغرض الذي نرمي إليه أنّه لا ينكر ثبوت الاجتهاد بالرأي عند جملة من الصحابة كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وزيد بن ثابت ، بل ربما من غيرهم. وإنّما الذي ينكر أن يكون ذلك بمجرّده محقّقا لإجماع الأمّة ، أو الصحابة. واتّفاق الثلاثة أو العشرة بل العشرين ليس إجماعا مهما كانوا.

نعم ، أقصى ما يقال في هذا الصدد : أنّ الباقين سكتوا ، وسكوتهم إقرار ، فيتحقّق الإجماع.

__________________

(١) المستصفى ٢ : ٢٩٣ ـ ٢٩٩ و ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٢) هذه ليست من المسائل الإجماعيّة ، بل هذه من ضروريات الدين ، وقد تقدّم أنّ الأخذ بها ليس أخذا بالإجماع. ـ منه قدس‌سره ـ.

(٣) ملخّص إبطال القياس : ١٩.

۶۸۸۱