البرهاني الذي يفيد اليقين.

ولكنّ الشأن كلّ الشأن في حصول الطريق لنا إلى العلم بأنّ الجامع علّة تامّة للحكم الشرعيّ. وقد سبق (١) أنّ ملاكات الأحكام لا مسرح للعقول (٢) ، أو لا مجال للنظر العقليّ فيها ، فلا تعلم إلاّ من طريق السماع من مبلّغ الأحكام الذي نصبه الله (تعالى) مبلّغا ، وهاديا.

والغرض من «كون الملاكات لا مسرح للعقول فيها» أنّ أصل تعليل الحكم بالملاك لا يعرف إلاّ من طريق السماع ؛ لأنّه أمر توقيفيّ.

أمّا : نفس وجود الملاك في ذاته فقد يعرف من طريق الحسّ ، ونحوه ، لكن لا بما هو علّة وملاك ، كالإسكار ؛ فإنّ كونه علّة للتحريم في الخمر لا يمكن معرفته من غير طريق التبليغ بالأدلّة السمعيّة.

أمّا : وجود الإسكار في الخمر ، وغيره من المسكرات ، فأمر يعرف بالوجدان ، ولكن لا ربط لذلك بمعرفة كونه هو الملاك في التحريم ؛ فإنّه ليس هذا من الوجدانيّات.

وعلى كلّ حال ، فإنّ السرّ في أنّ الأحكام وملاكاتها لا مسرح للعقول في معرفتها واضح ؛ لأنّها أمور توقيفيّة من وضع الشارع ، كاللغات ، والعلامات ، والإشارات التي لا تعرف إلاّ من قبل واضعيها ، ولا تدرك بالنظر العقليّ إلاّ من طريق الملازمات العقليّة القطعيّة التي تكلّمنا عنها فيما تقدّم في بحث الملازمات العقليّة في المقصد الثاني ، (٣) وفي دليل العقل من هذا الجزء ، (٤) والقياس لا يشكّل ملازمة عقليّة بين حكم المقيس عليه ، وحكم المقيس.

نعم ، إذا ورد نصّ من قبل الشارع في بيان علّة الحكم في المقيس عليه ، فإنّه يصحّ الاكتفاء به في تعدية الحكم إلى المقيس بشرطين : الأوّل : أن نعلم بأنّ العلّة المنصوصة

__________________

(١) راجع الصفحة : ٤٧٨ ـ ٤٨٠ و ٤٨٣.

(٢) المسرح : المرعى الذي تسرح فيه الدوابّ للرعي. لسان العرب ٢ : ٤٧٩ ، والمراد منه هنا أنّه لا مجال للعقول في كشف ملاكات الأحكام ، ولا تنالها ابتداء من دون السماع من مبلّغ الأحكام.

(٣) المقصد الثاني : ٢٤٧.

(٤) راجع الصفحة : ٤٧٨ ـ ٤٨٠.

۶۸۸۱