دون فحص عمّا يصلح لصرفها عن ظواهرها ، وعدم جواز التسرّع بالأخذ بها من كلّ أحد ـ فهو كلام صحيح. وهو أمر طبيعيّ في كلّ كلام عال رفيع ، وفي كلّ مؤلّف في المعارف العالية. ولكن قلنا : إنّه ليس معنى ذلك أنّ ظواهره مطلقا ليست بحجّة بالنسبة إلى كلّ أحد.

٢. وإن كنت تعني الجمود على خصوص ما ورد من آل البيت عليهم‌السلام ـ على وجه لا يجوز التعرّض لظواهر القرآن ، والأخذ بها مطلقا فيما لم يرد فيه بيان من قبلهم ، حتى بالنسبة إلى من يستطيع فهمه من العارفين بمواقع الكلام ، وأساليبه ، ومقتضيات الأحوال ، مع الفحص عن كلّ ما يصلح للقرينة ، أو ما يصلح لنسخه ـ فإنّه (١) أمر لا يثبته ما ذكروه له من الأدلّة.

كيف؟ وقد ورد عنهم عليهم‌السلام إرجاع الناس إلى القرآن الكريم ، مثل ما ورد من الأمر بعرض الأخبار المتعارضة عليه (٢) ، بل ورد عنهم ما هو أعظم من ذلك ، وهو عرض كلّ ما ورد عنهم على القرآن الكريم (٣) ، كما ورد عنهم الأمر بردّ الشروط المخالفة للكتاب في أبواب العقود (٤) ، ووردت عنهم أخبار خاصّة دالّة على جواز التمسّك بظواهره ، نحو قوله عليه‌السلام لزرارة لمّا قال له : من أين علمت أنّ المسح ببعض الرأس؟ فقال عليه‌السلام : «لمكان الباء» (٥) ، ويقصد الباء من قوله (تعالى) : ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ (٦). فعرّف زرارة [أنّه] كيف يستفيد الحكم من ظاهر الكتاب.

ثمّ إذا كان يجب الجمود على ما ورد من أخبار بيت العصمة فإنّ معنى ذلك هو الأخذ بظواهر أقوالهم ، لا بظواهر الكتاب. وحينئذ ننقل الكلام إلى نفس أخبارهم ، حتى فيما يتعلّق منها بتفسير الكتاب ، فنقول : هل يكفي لكلّ أحد أن يرجع إلى ظواهرها من دون تدبّر وبصيرة ومعرفة ، ومن دون فحص عن القرائن ، واطّلاع على كلّ ما دخل في مضامينها؟

بل هذه الأخبار لا تقلّ من هذا الجهة عن ظواهر الكتاب ، بل الأمر فيها أعظم ؛ لأنّ سندها يحتاج إلى تصحيح ، وتنقيح ، وفحص ؛ ولأنّ جملة منها منقولة بالمعنى ، وما ينقل

__________________

(١) جواب «وإن كنت».

(٢) راجع وسائل الشيعة ١٨ : ٧٥ ـ ٨٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٣) المصدر السابق.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ ، الباب ٦ من أبواب الخيار.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ : ٧ ح ٢١٢.

(٦) المائدة (٥) الآية : ٦.

۶۸۸۱